برامج اصدقاء العاب ابحاث مشكلات دردشه كل ما هو جديدفى عالم الموضه الازياء الجمال

الاثنين، 27 يوليو 2009

افعل التفضيل

مقدمة

تعد ظاهرة التيسير اللغوي والنحوي في اللغة العربية من الظواهر المهمة التي شغلت العقل العربي قديما وحديثا، وذلك لوجود ارتباط وثيق بين بروز هذه الظاهرة وطبيعة الظروف الاجتماعية المواكبة لظهورها استنادا إلى المقولة التي يؤكدها علماء اللغة في الشرق والغرب( ) بأن المجتمع هو صاحب التصرف في هذه اللغة وليست اللغة هي التي تحكم المجتمع وتوجهه، أو على حد قول الدكتور تمام حسان: "إن المستوى الصوابي معيار لغوي يرضى عن الصواب، ويرفض الخطأ في الاستعمال، وهو الصوغ القياسي لا يمكن النظر إليه باعتباره فكرة يستعين الباحث بواسطتها في تحديد الصواب والخطأ اللغوي، وإنما هو مقياس اجتماعي يفرضه المجتمع اللغوي على الأفراد، ويرجع الأفراد إليه عند الاحتكام في الاستعمال" ( ) وهذا يعنى أن ما يؤيده الاستعمال العام لمتحدثى لغة ما هو ما يمكن أن نسميه الصواب اللغوي.
ولما كان هناك ارتباط بين اللغة العربية والمجتمع العربي انسحبت لذلك كل المتغيرات الاجتماعية على طبيعة اللغة التي تجاوبت مع هذه المتغيرات، وبدت طيعة قابلة للتطور ومستوعبة لعدة ظواهر لغوية وافدة فرضتها الظروف السياسية والفكرية للمجتمع العربي قديما وحديثا.
لقد تجاوبت لغتنا العربية مع معطيات الواقع العربي في العصر العباسي وهو العص الذي شهد انفتاحا على الثقافة الفارسية والثقافة اليونانية والرومانية، ولعبت فيه الترجمة كما لعب فيه التعريب دورا رئيسا، وأفرز هذا الالتحام والحوار الحضاري جيلا حمل على كاهله عبء التغيير الثقافي والفكري واللغوي وأعنى جيل المولدين وهو الجيل الذي اكتسب ثقافتين في آن واحد وحاول أن يقرب بينهما في إطار تحديث اللغة العربية وتطويعها للمعطيات الجديدة.
كما مر بالأمة العربية محنة التتار والمماليك والعثمانيين وغيرهم وترك هذا الاستعمار آثاره على لغة الضاد، كما عانت الآمة العربية من ويلات الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والإيطالي والصهيوني، وكلها صور لمحتل سعى سعيه إلى طمس اللغة والاعتداء على هوية الأمة.
وفي ضوء هذه الظروف السياسية والفكرية والاجتماعية برزت ظاهرة التوسع في معايير الصواب والخطأ فيما يخص لغة الضاد وذلك على الرغم من وجود اختلافات كبيرة بين اللغويين العرب قديما حول تحديد المستوى الصوابي، ففي الوقت الذي أجاز فيه البصريون القياس على الشائع المشهور ورفضوا مبدأ القياس على كل شاذ أو نادر نجد الكوفيين على الجانب الآخر يتوسعون بشكل كبير فيجيزون القياس على الشاهد الواحد أو الشاهدين كما نراهم يتوسعون بصورة لافتة في مجال الرواية( ) وفي ذلك يقول السيوطي: " نقلا عن الأندلسى في شرح المفصل" والكوفيين لو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شىء مخالف للأصول جعلوه أصلا، وبوبوا عليه بخلاف البصريين"( ).
ولكن لا يعنى هذا أن البصريين سلكوا مسلك التقييد لظاهرة التيسير فإمام البصريين سيبويه كان له موقف من أولئك اللغويين الذين حددوا معيار الصواب اللغوي بما يستقونه من القبائل البدوية مثل قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض الطائيين- وهي القبائل التي خصها السيوطي بسلامة اللغة( ) وفصاحتها- فنراه يتخذ أهل الحجاز نموذجا رفيعا للقياس اللغوي، فكلما اختلفت اللهجات لديه كان يرجح لغة الحجاز على اللغات الأخرى، وفي ذلك توسيع لدائرة معيار الصواب اللغوى وذلك لأن أهل الحجاز كانوا حضرا ولم يكونوا بدوا وليس من المستبعد أن تكون لغات الفرس والرومان قد تركت تأثيراتها عليها وهذا في رأيي يعد محاولة تيسيرية ينبغي الإشارة إليها.
ولم يجد سيبويه أيضا عيبا في الاحتجاج بشعر بشار وأبي تمام مخالفا بذلك بعض علماء اللغة المتشددين الذين رأوا الاكتفاء في الاستشهاد بسلامة اللغة وفصاحتها بطبقة الشعراء الجاهليين أمثال امرئ القيس وزهير والأعشى وعمرو بن كلثوم وغيرهم وكذا طبقة المخضرمين أمثال الخنساء وكعب بن زهير ولبيد وحسان، بل وتحرز بعضهم وأخص أبا عمرو بن العلاء وعبد الله بن اسحق الحضرمي والأصمعي من الاستشهاد بشعر الإسلاميين أمثال الفرزدق وجرير والأخطل بل وراحوا يمنعون الاستشهاد بشعر بشار وأبي نواس وأبي تمام وغيرهم.
وبناء على ذلك يمكننا أن نخرج بنتيجة مؤداها أن كلا الفريقين سواء المتشددين منهم أو المتساهلين لم يحققوا نجاحا مطلقا في تعميم رؤيتهم مما يؤكد أن اللغة العربية مرت قديما بمحاولات تيسيرية فرضتها خلافات فكرية ومذهبية وقبلية وقومية كان لها أكبر الأثر على تضخم المعجم العربي في العصر العباسي، وهو العصر الذي شهد توسعا في القياس على النادر وتفضيل السماع أحيانا إذا جعلناه في طور المفاضلة مع القياس فضلا عن حركة رائجة في النقل والاشتقاق والنحت والتعريب إلخ.
فإذا كان القدماءلم يصلوا إلى حسم كامل لمعيارية الصواب اللغوي وأفضلية السماع والقياس، وبتنا أمام نظرة متشددة ونظرة أخرى متساهلة، واستفادت اللغة العربية - في رأيي- من كل هذه الصراعات لما ترتب على ذلك من توسيع دائرة الصواب اللغوي.... فهل استفادت جهود التيسير المعاصرة للغتنا العربية من معطيات المنهج العلمي الحديث في التبويب والتقسيم والاستقصاء نحو البحث عن حلول للمشكلات المزمنة التي يعاني منها دارسو العربية في عصرنا الحاضر.
لقد طالعت عددا من المحاولات التيسيرية في هذا المجال وانتهيت بعد تأمل طويل في هذه الدراسات إلى ما يلي:
أولاً: أن هذه المحاولات قد حدَّدت معطيات هذا التيسير بضرورة أن نعلِّم طلابنا قواعد النحو والصرف على الطريقة نفسها التي يقوم بها معلمو اليوم وإن كانت بعض هذه المحاولات قد كرَّست الاهتمام بالجانب التطبيقي سواء على القواعد الكلية أو الفرعية مع مراعاة "أن يكون التطبيق بوجوه متعددة وبطرائق مختلفة تخاطب الأنشطة المتعددة والقوى المختلفة للعقل البشري"( ).




















الفصـــــل الأول









الفصــــل الأول

المبحث الأول صياغة افعل التفضيل

أفعل التفضيل صغ من مصوغ منه للتعجب أفعل للتفضيل وأب اللذ أبى يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها للدلالة على التفضيل وصف على وزن أفعل فتقول زيد أفضل من عمرو وأكرم من خالد كما تقول ما أفضل زيدا وما أكرم خالدا وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه فلا يبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف كدحرج واستخرج ولا من فعل غير متصرف
كنعم وبئس ولا من فعل لا يقبل المفاضلة كمات وفنى ولا من فعل ناقص ككان وأخواتها ولا من فعل منفى نحو ما عاج بالدواء وما ضرب ولا من فعل يأتى الوصف منه على أفعل نحو حمر وعور ولا من فعل مبنى للمفعول نحو ضرب وجن وشذ منه قولهم هو أخصر من كذا فبنوا أفعل التفضيل من اختصر وهو زائد على ثلاثة أحرف ومبني للمفعول وقالوا أسود من حلك الغراب وأبيض من اللبن فبنوا أفعل التفضيل شذوذا من فعل الوصف منه على أفعل وما به إلى تعجب وصل لمانع به إلى التفضيل صل تقدم في باب التعجب أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشد ونحوها وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب فكما تقول ما أشد استخراجه تقول هو أشد استخراجا من زيد وكما تقول ما أشد حمرته تقول هو أشد حمرة من زيد لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد أشد مفعولا وههنا ينتصب تمييزا
وأفعل التفضيل صله أبدا تقديرا أو لفظا بمن إن جردا لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال الأول أن يكون مجردا الثاني أن يكون مضافا الثالث أن يكون بالألف واللام فإن كان مجردا فلا بد أن يتصل به من لفظا أو تقديرا جارة للمفضل نحو زيد أفضل من عمرو وقد تحذف من ومجرورها للدلالة عليهما كقوله تعالى أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أي وأعز منك نفرا وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان بأل أو مضافا لا تصحبه من فلا تقول زيد الأفضل من عمرو ولا زيد أفضل الناس من عمرو
وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا كالآية الكريمة ونحوها وهو كثير في القرآن وقد تحذف منه وهو غير خبر كقوله دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا فظل فؤادي في هواك مضللا ف أجمل أفعل تفضيل وهو منصوب على الحال من التاء في دنوت وحذفت منه من والتقدير دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر
ويلزم أفعل التفضيل المجرد الإفراد والتذكير وكذلك المضاف إلى نكرة وإلى هذا أشار بقوله وإن لمنكور يضف أو جردا ألزم تذكيرا وأن يوحدا فتقول زيد أفضل من عمرو وأفضل رجل وهند أفضل من عمرو وأفضل امرأة والزيدان أفضل من عمرو وأفضل رجلين والهندان أفضل من عمرو وأفضل امرأتين والزيدون أفضل من عمرو وأفضل رجال والهندات أفضل من عمرو وأفضل نساء فيكون أفعل في هاتين الحالتين مذكرا ومفردا ولا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع وتلو أل طبق وما لمعرفه أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه
هذا إذا نويت معنى من وإن لم تنو فهو طبق ما به قرن إذا كان أفعل التفضيل ب أل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير وغيرهما فتقول زيد الأفضل والزيدان الأفضلان والزيدون الأفضلون وهند الفضلى والهندان الفضليان والهندات الفضل أو الفضليات ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله فلا تقول الزيدون الأفضل ولا الزيدان الأفضل ولا هند الأفضل ولا الهندان الأفضل ولا الهندات الأفضل ولا يجوز أن تقترن به من فلا تقول زيد الأفضل من عمرو فأما قوله
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر فيخرج على زيادة الألف واللام والأصل ولست بأكثر منهم أو جعل منهم متعلقا بمحذوف مجرد عن الألف واللام لا بما دخلت عليه الألف واللام والتقدير ولست بالأكثر أكثر منهم
وأشار بقوله وما لمعرفة أضيف إلخ إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة وقصد به التفضيل جاز فيه وجهان أحدهما استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله فتقول الزيدان أفضل القوم والزيدون أفضل القوم وهند أفضل النساء والهندان أفضل النساء والهندات أفضل النساء والثاني استعماله كالمقرون بالألف واللام فتجب مطابقته لما قبله فتقول الزيدان أفضلا القوم والزيدون أفضلوا القوم وأفاضل القوم وهند فضلى النساء والهندان فضليا النساء والهندات فضل النساء أو فضليات النساء ولا يتعين الاستعمال الأول خلافا لابن السراج وقد ورد الاستعمالان في القرآن فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن استعماله مطابقا قوله تعالى وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها وقد اجتمع الاستعمالان في قوله ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون والذين أجازوا الوجهين قالوا الأفصح المطابقة ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله فاخترنا أفصحهن قالوا فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى فيقول فصحاهن فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة كقولهم الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي عادلا بني مروان وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله هذا إذا نويت معنى من البيت أي جواز الوجهين أعني المطابقة وعدمها
مشروط بما إذا نوى بالإضافة معنى من أي إذا نوى التفضيل وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به قيل ومن استعمال صيغة أفعل التفضيل قوله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وقوله تعالى ربكم أعلم بكم أي وهو هين عليه وربكم عالم بكم وقول الشاعر وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل أي لم أكن بعجلهم وقوله إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
أي دعائمه عزيزة طويلة وهل ينقاس ذلك أم لا قال المبرد ينقاس وقال غيره لا ينقاس وهو الصحيح وذكر صاحب الواضح أن النحويين لا يرون ذلك وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى وهو أهون عليه إنه بمعنى هين وفي بيت الفرزدق وهو الثاني إن المعنى عزيزة طويلة وإن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك وقالوا لا حجة في ذلك له وإن تكن بتلو من مستفهما فلهما كن أبدا مقدما كمثل ممن أنت خير ولدى إخبار التقديم نزرا وردا














المبحث الثاني إعراب افعل التفضيل
تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا جيء بعده بمن جارة للمفضل عليه نحو زيد أفضل من عمرو ومن ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف فلا يجوز تقديمهما عليه كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام أو مضافا إلى اسم استفهام فإنه يجب حينئذ تقديم من ومجرورها نحو ممن أنت خير ومن أيهم أنت أفضل ومن غلام أيهم أنت أفضل وقد ورد التقديم شذوذا في غير الاستفهام وإليه أشار بقوله ولدى إخبار التقديم نزرا وردا ومن ذلك قوله فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت جنى النحل بل ما زودت منه أطيب
والتقدير بل ما زودت أطيب منه وقول ذي الرمة يصف نسوة بالسمن والكسل ولا عيب فيها غير أن سريعها قطوف وأن لا شيء منهن أكسل
التقدير وأن لا شيء أكسل منهن وقوله إذا سايرت أسماء يوما ظعينة فأسماء من تلك الظعينة أملح التقدير فأسماء أصلح من تلك الظعينة
ورفعه الظاهر نزر ومتى عاقب فعلا فكثيرا ثبتا كلن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الصديق لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه أولا فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهرا وإنما يرفع ضميرا مستترا نحو زيد أفضل من عمرو ففي أفضل ضمير مستتر عائد على زيد
فلا تقول مررت برجل أفضل منه أبوه فترفع أبوه ب أفضل إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهرا قياسا مطردا وذلك في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفي أو شبهه وكان مرفوعه أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبارين نحو ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ف الكحل مرفوع ب أحسن لصحة وقوع فعل بمعناه موقعه نحو ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كزيد ومثله قوله ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة وقول الشاعر أنشده سيبويه مررت على وادي السباع ولا أرى كوادي السباع حين يظلم واديا
أقل به ركب أتوه تثية وأخوف إلا ما وقى الله ساريا ف ركب مرفوع بأقل فقول المصنف ورفعه الظاهر نزر إشارة إلى الحالة الأولى وقوله ومتى عاقب فعلا إشارة إلى الحالة الثانية
















الفصــل الثانـــي









الفصــــل الثانـــي
المبحث الأول الفرق بين الاسم وافعل التفضيل
ويدل على هذا قوله تعالى ‏{‏وأضل سبيلا‏}‏ وقرأ أبو عمرو ‏{‏ومن كان في هذه أعمى‏}‏ بالإمالة ‏{‏فهو في الآخرة أعمى‏}‏ بالتفخيم، أراد أن يفرق بين ما هو اسم وبين ما هو أفعل منه بالإمالة وتركها، وكل ما كان على أفعل صفةً لا يبنى منه أفعل التفضيل، نحو قولهم‏:‏ جَيْشٌ أَرْعَن، ودينار أَحْرَش، فأما قولهم‏:‏ فُلاَن أَحْمَق من كذا، فهو أفعل من الحمق، لأنه يقال‏:‏ رجل حمَقِ كما يقال‏:‏ رجل أحمق، ومنه قول يزيد بن الكحم‏:‏
قد يقتر الحول التقيّ * ويكثر الحمق الأثيم
وكذلك قولُه تعالى ‏{‏فهو في الآخرة أعمى‏}‏ من قولك هذا عَمٍ وهذا أَعْمَى منه‏.‏ وحكم ما أَفْعَلَهُ وأفْعِلْ به في التعجب حكم أَفْعَلَ في التفضيل في أنه أيضاً لا يبنى إلا من الثلاثي، ولا يتعجب من الألوان والعيوب إلا بلفظ مَصُوغ من الفعل الثلاثي كما تقدم، فلا يقال‏:‏ ما أَعْوَرَهُ ولا ما أَعْرَجَه، بل يقال‏:‏ ما أشدَّ عوَره، وَأَسْوَأَ عَرَجَه، وما أشد بَيَاضَه وَسَوَاده، وقول من قال‏:‏
أَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي أَبَاضِ* وقول الآخر‏:‏
أَمَّا المُلُوكُ فأَنْتَ الْيَوْمَ أَلأَمُهُمْ * لُؤْمًا وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَباخِ
محمولان على الشذوذ، وكذلك قولهم‏:‏ ما أعطاه، وما أَوْلاَه للمعروف، وما أَحْوَجَه، يريدون ما أشد احتياجَه، على أن بعضهم قال‏:‏ ما أَحْوَجَه من حَاجَ يَحُوجُ حَوْجاً، أي احتاج، وقال بعضهم‏:‏ إنما فعلوا هذا ‏[‏ص 82‏]‏ بعد حذف الزيادة وردِّ الفعِل إلى الثلاثي، وهذا وَجْه حَسَن‏.‏
وحكم أَفْعِلْ به في التعجب حكم ما أفعله لا يقال‏:‏ أَعْوِرْ به، كما لا يقال‏:‏ ما أَعْوَرَه، بل يقال‏:‏ أشْدِدْ بعَوَرِهِ، ويستوي في لفظ أَفْعِلْ به المذكرُ والمؤنث والتثنية والجمع، تقول‏:‏ يا زيد أكْرِمْ بعمرو، ويا هند أكرم بزيد، ويا رجلان أكرم، ويا رجال أكرم، كما كان في مَا أَحْسَنَ زيداً، وما أَحْسَنَ هنداً، وما أَحْسَنَ الزيدين، وما أحسن الهندات‏.‏
كذلك قال أبو عبد الله حمزة بن الحسن في كتابه المُعَنْون بأفعل حاكياً عن المازني أنه قال‏:‏ قد جاءت أَحْرُف كثيرة مما زاد فعله على ثلاثة أحرف فأدخلت العربُ عليه التعجب، قالوا‏:‏ ما أَتْقَاه الله، وما أَنْتَنه، وما أَظْلَمَها، وما أَضْوَأَها، وللفقير‏:‏ ما أفقْرَه، وللغني‏:‏ ما أَغْنَاه، وإنما يقال في فعلهما‏:‏ افتقر واستغنى، وقالوا للمستقيم‏:‏ ما أَقْوَمَه، وللمتمكن عند الأمير‏:‏ ما أَمْكَنه، وقالوا‏:‏ ما أَصْوَبه، وهذا على لغة من يقول‏:‏ صَابَ بمعنى أصاب، وقالوا ‏"‏ماأَخْطَأه‏"‏ لأن بعض العرب يقولون خَطِئْتُ في معنى أخطأت وقال‏:‏ يَا لَهْفَ هِنْدٍ إذ خَطِئْنَ كَاهِلاَ* ‏(‏هو من كلام امرئ القيس بن حجر الكندي‏)‏
وقالوا‏:‏ ما أَشْغَلَه، وإنما يقولون في فعله شُغِلَ، وما أزهاه وفعله زُهِيَ‏.‏ وقالوا‏:‏ ماآبَلَه يريدون ما أكثر إبِلَه، وإنما يقولون‏:‏ تأبَّلَ إبلا إذا اتخذها، وقالوا‏:‏ ما أبْغَضَه لي، وما أَحَبَّه إلي، وما أَعْجَبَه برأيه، وقال بعض العرب‏:‏ ما أملأ القِرْبة، هذا ما حكاه عن المازني، ثم قال‏:‏ وقال أبو الحسن الأخفش‏:‏ لا يكادون يقولون في الأرْسَح ما أَرْسَحَه، ولا في الأسْتَه ما أَسْتَهَه، قال‏:‏ وسمعت منهم من يقول‏:‏ رَسِحَ وَسَتِه، فهؤلاء يقولون‏:‏ ما أرْسَحَه وما أسْتَهَه‏.‏
قلت‏:‏ في بعض هذا الكلام نظر، وذلك أن الحكم بأن هذه الكلمات كلها من المَزِيد فيه غيرُ مسلم، لأن قولهم ‏"‏ما أتقاه لله‏"‏ يمكن أن يحمل على لغة من يقول‏:‏ تَقَاه يَتْقِيه، بفتح التاء من المستقبل وسكونها، حتى قد قالوا‏:‏ أتقى الأتقياء، وبنوا منه تَقِي يَتْقِي مثل سَقَى يَسْقِي إلا أن المستعمل تحريك التاء من يتقي، وعليه ورد الشعر، كما قال‏:‏
زِيَادَتَنَا نَعْمَانُ لاَ تَنْسَيَنَّهَا * تَقِ اللّه فِينَا والكتابَ الذي تَتْلُو
وقال آخر‏:‏
جَلاَهَا الصّيْقَلُونَ فأَخْلَصُوهَا * خفَافاً كُلُّهَا يَتْقِي بأثْرِ ‏[‏ص 83‏]‏
وقال آخر‏:‏
وَلاَ أَتَقِي الغَيُورَ إذا رَآنِي * وَمثْلِي لزَّ بالحمس الرَّبِيسِ
فلما وجدوا الثلاثي منه مستعملا بنوا عليه فعل التعجب، وبنوا منه فَعِيلا كالتقيّ وقالوا منه على هذه القضية‏:‏ ما أتقاه لله‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أَنْتَنَه‏"‏ لإنما حملوه على أنه من باب نَتَنَ يَنْتنُ نَتناً، وهي لغة في أَنْتَن يُنْتِنُ فمن قال‏:‏ نتن قال في الفاعل مُنْتن، ومن قال منتن بناه على أنْتَنَ‏.‏ هذا قول أبي عبيد عن أبي عمرو، وقال غيره‏:‏ مُنْتِن في الأصل مُنْتِين فحذفوا المدة فقالوا‏:‏ مُنْتِن، والقياس أن يقولوا‏:‏ نَتَن فهو نَاتِن أو نَتِين، ولو قالوا نَتُنَ فهو نَتْنٌ على قياس صَعُبَ فهو صَعْب كان جائزاً‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أظلهما وأضوأها‏"‏ من هذا القبيل أيضاً، لأن ظَلِمَ يَظْلَم ظلمة لغة في أظلم، وكذلك ‏"‏ما أضوأها‏"‏ يعنون الليلة إنما هو من ضَاء يَضُوء ضَوْءاً وضُوَاء، وهي لغة في أضاء يُضِيء إضاءة، وإذا كان الأمر على ما ذكرت كان التعجب على قانونه‏.‏
وأما قوله‏:‏ قالوا للفقير ‏"‏ما أفْقَرَهُ‏"‏ فيجوز أن يقال‏:‏ إنهم لما وجدوه على فَعِيل توهموه من باب فَعُلَ بضم العين مثل صَغُر فهو صَغير وكبر فهو كبير، أو حملوه على ضده فقدَّروه من باب فَعِل بكسر العين كغَنِى فهو غَنِيّ، كما حملوا عَدُوَّة الله على صَدِيقة، وذلك من عادتهم‏:‏ أن يحملوا الشيء على نقيضه، كقوله‏:‏
إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ * لَعَمْرُ اللّهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا
فوصَلَ رضيَتْ بعلي لأنهم قالوا في ضده‏:‏ سَخِط عَلَيَّ، ومثل هذا موجود في كلامهم، أو حملوه على فَعيل بمعنى مفعول، فقد قالوا‏:‏ إنه المكسورُ الفَقَار، وإذا حُمل على هذا الوجه كان في الشذوذ مثله إذا حمل على افتقر‏.‏
وأما قولهم ‏"‏ما أغناه‏"‏ فهو على النَّهْج الواضح، لأنه من قولهم غَنِيَ يَغْنَي غِنًى فهو غَنِيّ، فلا حاجة بنا إلى حَمْله على الشذوذ‏.‏
وأما قولهم للمستقيم ‏"‏ما أَقْوَمَه‏"‏ فقد حملوه على قولهم‏:‏ شيء قَوِيم، أي مستقيم، وقام بمعنى استقام صحيحٌ، قال الراجز‏:‏ وقَامَ مِيزَانُ النَّهَارِ فَاعْتَدَلْ*
ويقولون‏:‏ دينار قائم، إذا لم يزد على مثقال ولم ينقص، وذلك لاستقامة فيه، فعلى هذا الوجه ما أَقْوَمَه غيرُ شاذ‏.‏
وقولهم للمتمكن عند الأمير ‏"‏ما أمْكَنَه‏"‏ إنما هو من قولهم ‏"‏فلان مَكِين عند فلان‏"‏ و ‏"‏له مكانة عنده‏"‏ أي منزلة، فلما رأوا ‏[‏ص 84‏]‏ المكانة وهي من مَصَادر فَعَل بضم العين، وسمعوا المكِيَن وهو من نعوت هذا الباب نحو كَرُم فهو كريم وشَرُف فهو شريف، توهموا أنه من مَكُنَ مَكَانة فهو مَكِين مثل مَتُن مَتَانة فهو مَتِين، فقالوا‏:‏ ما أَمْكَنه، وفلان أَمْكَنُ من فلان، وليس توهمهم هذا بأغْرَبَ من توهمهم الميم في التمكن والإمكان والمكانة والمكان وما اشتقَّ منها أصلية، وجميعُ هذا من الكون، وهذا كما أنهم توهموا الميم في المِسْكِين أصلية فقالوا‏:‏ تَمَسْكَنَ، ولهذا نظائر ‏.‏
وأما قولهم ‏"‏ما أصْوَبَه‏"‏ على لغة من يقول صَاب يعني أصاب ولم يزيدوا على هذا فإني أقول‏:‏ هذا اللفظ أعني لفظ صاب مبُهْم لا يُنْبئ عن معنى واضح، وذلك أن صاب يكون من صَابَ المطرُ يَصُوب صَوْباً، إذا نزل، وصَابَ السهمُ يَصُوب صَيْبُوبة، إذا قصد ولم يَجْرُ، وصاب السهمُ القرطاسَ يَصِيبه صَيْباً لغة في أصاب، ومنه المثل ‏"‏ مَعَ الخواطئ سهم صَائِب‏"‏ فإن أرادوا بفولهم صاب هذا الأخيَر كان من حقهم أن يقولوا‏:‏ ما أصْيَبَه، لأنه يائي، وإن أرادوا بقولهم‏:‏ أصاب أي أتى بالصواب من القول فلا يقال فيه صَاب يَصِيب‏.‏
وأما قوله ‏"‏قالوا ما أَخْطَأه‏"‏ لأن بعض العرب يقول‏:‏ خَطِئت في معنى ‏"‏أخطأت‏"‏ فهو على ما قال‏.‏
وأما ‏"‏ ما أشْغَلَه‏"‏ فلا رَيْبَ في شذوذه، لأنه إن حُمل على الاشتغال كان شاذا، وإن حمل على أنه من المفعول فكذلك‏.‏
وأما ‏"‏ما أزْهَاهُ‏"‏ وحمله على الشذوذ من قولهم زُهِيَ فهو مَزْهُوٌّ فإن ابن دُرَيد قال‏:‏ يقال زَهَا الرجلُ يَزْهُو زَهْواً أي تكبر ومنه قولهم‏:‏ ما أزْهَاه، وليس هذا من زُهِىَ لأن ما لم يسم فاعله لا يتعجب منه، هذا كلامه، وأمر آخر، وهو أن بين قولهم ‏"‏ما أشغله‏"‏ و ‏"‏ما أزهاه‏"‏ إذا حمل على زُهى فرقاً ظاهراً، وذلك أن المزهُوَّ وإن كان مفعولا في اللفظ فهو في المعنى فاعل، لأنه لم يقع عليه فعل من غيره كالمشغول الذي شَغَله غيره، فلو حمل ‏"‏ما أزْهَاه‏"‏ على أنه تعجب من الفاعل المعنوي لم يكن بأس‏.‏
وأما قولهم ‏"‏ما آبَلَه‏"‏ أي ما أكثر إبلَه، ثم قوله ‏"‏وإنما يقولون تأبَّلَ إبلا إذا اتخذها‏"‏ ففي كل واحد منهما خلل، وذلك أن قولهم ‏"‏ما آبله‏"‏ ليس من الكثرة في شيء، إنما هو تعجب من قولهم أبِلَ الرجلُ يأبل إباله مثل شكس شكاسة فهو أَبِل وآبِل أي حاذق بمصلحة الإبل، وفلان من آبَل الناس، أي من أشدهم تأنقا في رعْيَةِ الإبل وأعلمهم بها، فقولهم ‏"‏ما آبَلَهُ‏"‏ معناه ما أحْذَقَه وأعْلَمَه بها، وإذا صح هذا فحملُه ‏[‏ص 85‏]‏ ما آبله على الشذوذ سهو، ثم حمله على معنى كثر عنده الإبل سهوٌ ثانٍ، وقوله ‏"‏تأبَّلَ أي اتخذ إبلا‏"‏ سهو ثالث، وذلك أن التأبل إنما هو امتناع الرجل من غِشْيان المرأة ومنه الحديث ‏"‏لقد تأبَّلَ آدمُ على ابنه المقتول كذا عاما‏"‏ وتأبلت الإبل‏:‏ اجتزأت بالرطب عن الماء، والصحيح في اتخاذ الإبل واقتنائها قولُ طُفَيل الْغَنَوي‏.‏
فأبَّل واسترخى به الْخَطْبُ بعدما * أسَافَ ولولا سَعْيُنا لم يُؤَبِل
أي لم يكن صاحب لإبل ولا اتخذها قِنْوَة‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أبغضه لي‏"‏ ويروى ‏"‏ما أبغضه إلي‏"‏ وبين الروايتين فرق بين، وذلك أن ‏"‏ما أبغضه لي‏"‏ يكون من المبغِض أي ما أشَدَّ إبْغَاضَه لي، وما‏"‏ أبْغَضَه إلي‏"‏ يكون من البغيض بمعنى المُبْغَضِ‏:‏ أي ما أشد إبغاضي له، وكلا الوجهين شاذ، وكذلك ‏"‏ما أحبه إلي‏"‏ إن جعلته من حَبَبْتُه أحِبُّه فهو حَبيب ومَحْبُوب كان شاذا، وإن جعلته من أحْبَبْتُه فهو مُحِب فكذلك‏.‏
وقولهم ‏"‏ما أعْجَبَهُ برأيه‏"‏ هو من الإعجاب لاغير، يقال‏:‏ أُعْجِبَ فلان برأيه، على ما لم يسم فاعله، فهو مُعْجَب‏.‏
وأما قول بعض العرب ‏"‏ما أملأ القِرْبَة‏"‏ فهو إن حملته على الامتلاء أو على المملوء كان شاذا‏.‏
وأما قول الأخفش ‏"‏لا يكادون يقولون في الأرْسَح ما أرْسَحَه، ولا في الأسْتَهَ ما أَسْتَهَه‏"‏ فكلام مستقيم، لأنه من العيوب والخِلَق، وقد تقدم هذا الحكم‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وسمعت منهم من يقول رَسِحَ وسَتِه فهؤلاء يقولون ما أرسحه وما أستهه‏"‏ قلت‏:‏ إنهم إذا بَنَوْا من فَعِلَ يَفْعَلُ صفةً على فَعِلٍ قالوا في مؤنثه فَعِلَة نحو أسِفَ فهو أسِف، والمرأة أسِفَة، وسحاب نَمِر ‏(‏قالوا ‏"‏ماء نمر‏"‏ أي زاك كثير‏)‏ وللمؤنث نمِرة، ولم يسمع امرأة رَسِحة ولا سَتِهة، بل قالوا‏:‏ رَسْحَاء وسَتْهاء، فهذا يدل على أن المذكر أرْسَح وأسْتَه‏.‏
هذا، وقد شذ أحرف يسيرة في كتابي هذا عن باب أفعل من كذا كان من حقها أن تكون فيه، نحو قولهم‏:‏ أقبح هزيلين المرأة والفرس، وأسوأ القول الإفراط، وأشباههما، لكنها لما زالت عن أماكنها تجوزت فيها إذ لم تكن مقرونة بمن كما تجوز حمزة في إيراد قولهم‏:‏ أكْذَبُ مَنْ دَبَّ ودَرَج، وأعلم بمَنْبَتِ القَصيص، وأسَدُّ قويس سهما في أفعل من كذا، ولا شك أن الجميع في حكم أفعل التفضيل‏.‏

المبحث الثاني افعل التفضيل عند ابن القيم
{قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] وسيأتي في كلام عائشة "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً" وفي بعض الأحوال: "إنه ليخط" يعني من شدة ما ينزل إليه، من أين أخذنا أن الوحي كله شديد؟ من أفعل التفضيل، وأن أفعل التفضيل تقتضي مشاركة شيئين أو أشياء في وصف وهو هنا الشدة، يكون بعضها وهو المفضل أدخل في هذه الصفة من غيره، ولكن هذا النوع أشد، لماذا؟ كان هذا النوع أشد؟ قالوا: لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة يعني فهم كلام من صوت مثل صلصلة الجرس، صوت متدارج لا شك أنه أشد من فهم الكلام العادي، من كلام الرجل بالتخاطب المعهود هذا سهل، أما الصوت المشبه لصوت صلصلة الجرس فهذا لا شك أنه شديد، يعني من باب التقريب من باب التقريب البرقيات هي في الأصل أصوات متدارجة، ما في حروف على ما نعلم، ثم... ها؟
إشارات ورموز وأصوات المقصود أن فهمها أشد، فهمها أشد من الكلام العادي، وإذا جئت إلى كلام من لا يحسن الكلام يتكلم بالإشارة مثلاً تجد فهم كلامه أشد من فهم الكلام العادي، فيكف بأصوات متداركة مثل صلصلة الجرس؟!
قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وهو أشده علي)) وعرفنا سبب الشدة، وأما فائدة هذه الشدة فائدتها ما يترتب على المشقة، من زيادة الزلفى ورفع الدرجات، ما يترتب على هذه الشدة أو ما يترتب على هذه المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات، هل نقول: إن مثل هذا هذه الشدة المصاحبة لهذا النوع من الوحي يكون ثبوت الوحي في القلب أشد وأمكن؛ لأن الكلام الذي يتلقى بسهولة يفقد بسهولة، والكلام الذي يتلقى بصعوبة يثبت ويرسخ؟ مثل ما قلنا عن بعض المتون التي عباراتها مستغلقة وصعبة، إذا تجاوزه طالب العلم انتهى خلاص رسخت في قلبه، بينما الكلام السهل السلس هذا يفهم ويفرغ منه بسرعة ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ وقلنا مراراً تصنيف المتون من قبل أهل العلم بطرق معتصرة لا أقول: مختصرة، وبضمائر متعددة، وبجمل معترضة، ثم يعود إلى الكلام الأول ثم يتركه، من طرائق المؤلفين الذين لا يريدون بذلك تعذيب طلاب العلم، ليس قصدهم تعذيب طلاب العلم، وإنما تربية طلاب العلم، لذلك مثل مختصر خليل عند المالكية في فهمه وعورة شديدة، وزاد المستقنع أيضاً في فهمه استغلاق على كثير من طلاب العلم، ولذلك هو المعتمد في بلادنا لتدريس الفقه الحنبلي، إلى أن توسع الناس وصاروا يدرسون كل ما وقفوا عليه، المقصود أن هذه الشدة نتيجتها الثبات، زيادة الثبات، ليس المقصود بها التعذيب إنما ليثبت الكلام، فهل نستطيع أن نقول: إن إتيان الوحي على مثل صلصلة الجرس يقصد به الثبات في قلبه -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟
لكن الأنواع الثانية هل يتصور أنه يضيع منها شيء حينما يتمثل له الملك رجلاً؟ نعم؟
زيادة الأجر معروفة، يعني مع المشقة يزداد الأجر، لكن هل نقول: إنه بهذا...، مثلما قلنا في متون كلام البشر إذا كان الكلام صعب ثبت في الذهن، وإذا كان سهل نسي بسرعة، هاه؟
سيأتي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعالج من التنزيل شدة، وكان إذا تكلم جبريل بكلمة رددها النبي -عليه الصلاة والسلام- وراءه مباشرة، ثم ضمن له حفظه، ضمن له الحفظ فصار دوره الاستماع فقط، ثم بعد ذلك يقر في ذهنه، ولا فرق بين أن يلقى إليه بطريقة أشد أو بطريقة دونه، فلا يتأتى مثل الكلام الذي نقوله بالنسبة للوحي.









الخاتمة
فلا يخفى على أحد حتى من عامة المسلمين فضلاً عن طلاب العلم ما لكتاب الله -جل ذكره- من منزلة عظيمة في الإسلام، ولما لمن يعتني به من هذه الأمة من شرف، كما قال الله -جل وعلا-: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [(44) سورة الزخرف] يعني شرف لك ولقومك، فالعناية بكتاب الله تعلماً وتعليماً، قراءةً وإقراءً، حفظاً فهماً تدبراً من أولى ما يقضي به الإنسان أنفاسه وعمره المحدود؛ لينال بذلك رفعة الدارين شريطة أن يكون مخلصاً لله -جل وعلا- في ذلك كله، القرآن لسنا بحاجة إلى بيان منزلته من سائر الكلام، وأنه كلام الله، وأن من قام يقرأه كأنما يخاطب الله -جل علا-، لكن مع الأسف أنه يلاحظ عند كثير ممن يعتني بطلب العلم إهمال جانب التفسير، قد يعنى طلاب العلم بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، يعنون بحفظه والبوادر -ولله الحمد- طيبة، وحلقات التحفيظ لا يمكن حصرها ولا عدها ولا إحصاؤها، والطلاب والطالبات يعني من الجنسين ممن يلتحق بهذه الحلقات ألوف مؤلفة -ولله الحمد-، بعد أن كانوا يعدون أفراداً في كل بلد، صاروا لا يمكن حصرهم ولا عدهم، لا يجمعهم ديوان ولا يعدهم عاد، فهذه من نعم الله -جل وعلا-، لكن هذه وسيلة إلى ثمرة عظمى، وسيلة إلى ثمرة عظمى وهي العمل بكتاب الله -جل وعلا-، والعمل بالقرآن لا يتسنى إلا بعد فهمه، وفهمه لا يمكن إلا عن طريق سلف هذه الأمة، وفهم هذه الأمة، ولذا يذكر في أولى ما يفسر به كلام الله هو كلام الله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- قد يجمل في موضع ويبين في موضع آخر، وما في تفسير الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- من العناية بهذا النوع دليل واضح على ذلك، وكذلك ما سلكه الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- من إيضاح القرآن بالقرآن، وهذا معروف ومسلوك عند أهل العلم، ثم بعد ذلك يلي ما ذكرنا تفسير القرآن بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو المبين عن الله، وظيفته البيان عما جاء عن الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك فهم السلف الصالح الذين لم تتلوث أفكارهم، ولم تتغير فطرهم، ولا محيص ولا محيد عن فهمهم، ثم بعد ذلك ما يفهم وما يدرك في لغة العرب وأساليبها، وفنون العلم المختلفة.
ولهذا كله يشترط أهل العلم في المفسر أن يكون جامعاً بين الفنون، فنون العلم من العلوم الغائية، ومن وسائل العلم التي يفهم بها هذه الغايات، فالغاية فهم ما جاء عن الله -جل وعلا- من نصوص الوحيين، والوسائل المعينة على فهم هذه النصوص في غاية الأهمية لطالب العلم، فلا يجوز لأحد أن يفسر حتى يستطيع أن يفهم ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد أن يكون عارفاً بالنصوص، فاهماً لمراد الله -جل وعلا- ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- من هذه النصوص، بعد معرفة ما يعين على فهمها مما يسميه أهل العلم بعلوم الآلة، والآلة معروف أنها هي التي يتوصل بها إلى المراد، هي الوسائل التي يستطاع بواسطتها فهم ما يراد فهمه، فعلوم العربية في غاية الأهمية لطالب العلم، وتتعين وتتأكد في حق من يتصدى لشرح كلام الله -جل وعلا- وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن القرآن بلسان عربي مبين، فكيف نفهم هذا القرآن ونحن لا نفهم لغة العرب؟ ولغة العرب ليست منحصرة في النحو مثلاً، لذا يتعجب كثير من طلاب العلم إذا وجدوا في سياق كلام أهل العلم قرأ في النحو والعربية، إيش...؟ النحو هو العربية؟! لا، لا، العربية أكثر من عشرة فروع، وكلها طالب العلم بأمس الحاجة إليه، نعم لا يلزم أن يكون متخصصاً في كل فرع من فروعها، بل ولا في جميعها، وإنما يفهم من ذلك ويعرف من هذه الفروع ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام-، من ذلك النحو والصرف والبيان والمعاني والبديع، والوضع والاشتقاق، وفقه اللغة، متن اللغة، الغريب، وغير ذلك من العلوم التي يحتاجها المتعلم، الذي يؤهل نفسه لأن يكون عالماً مرجعاً في هذه الأمور، ممن يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في جوف البحر، أما إذا أراد أن ينقل من كتب التفاسير وليست لديه أهلية للتفسير أن هذا مبلغ وليس بمفسر، وقد يدخل عليه الخلل يتطرق إليه الخلل بسبب جهله في فن من هذه الفنون.

المراجع والمصادر

1- ابن عقيل ج3 ص 176 -190
2- ابن القيم ج4 ص 212
3- دراسات في النحو والقراءات الدكتور أحمد مكي الأنصاري المجلة جـ 31 ص122
4- تحرير أفعل التفضيل من ربقة قياس نحوي فاسد الأستاذ الشيخ محمد الفاضل ابن عاشورد 30 جـ 3 للمؤتمر البحوث والمحاضرات ص 57
5- صابر بكر أبو السعود – القياس في النحو العربي مكتبة الطليعة بأسيوط.
6- السيوطي- الاقتراح في علم أصول النحو – تحقيق د. أحمد قاسم جـ1 ص200.
7- السيوطي في كتابه المزهر: "







الفهــــــــــرس

مقدمة ............................................................................................
1
الفصل الأول ...................................................................................
6
المبحث الأول صياغة افعل التفضيل.. ........................................................... 7
المبحث الثاني إعراب افعل التفضيل............................................................. 12
الفصل الثاني.................................................................................. 14
المبحث الأول الفرق بين الاسم وافعل التفضيل................................................... 15

المبحث الثاني افعل التفضيل عند ابن القيم.................................................... 22
الخاتمة.........................................................................................
25
المراجع والمصادر ..............................................................................
27

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بالزوار الجدد

الجديد هيلاقي اسمه اول اسم فى القايمه بلون اخضر يضغط عليه كليك ويغيره ويكتب اسم مستعار وكمان يقدر يغير الصورة

اعـــــــز اصحـــــــــاب

شااااااااااااااهد جميع المباريات على قناة الجزيرة

اجمل صور

اجمل صور
شاهد ارق الصور