برامج اصدقاء العاب ابحاث مشكلات دردشه كل ما هو جديدفى عالم الموضه الازياء الجمال

الاثنين، 27 يوليو 2009

مقددمة فى الفلسفة

مقدّمة الى الفلسسفة
مقدّمة عامة

1. لماذا الفلسفة؟
اول سؤال يتبادر الى أذهاننا هو : " لماذا يجب ان ندرس الفلسفة؟ " ، "ما فائدة الفلسفة لطالب كهنوت يستعد للعمل الكهنوتي والراعوي؟" نحصل على الجواب على هذه الاسئلة من نصوص الكنيسة الرسمية:
* " تدرّس العلوم الفلسفية تدريسا يقود الطلاب اولا الى تحصيل معرفة عميقة ومتلاحمة الاجزاء للإنسان والعلم والله، معتمدين على التراث الفلسفي ذي القيمة الخالدة، ولا تغفل البحوث الفلسفية المعاصرة، ولا سيما تلك التي لهها في بلدهم الخاص الاثر الكبير. كما لا يغفل تقدّم العلوم الحديثة، حتى إذا وقف الطلاب على ذهنية لهذا العصر وقوفا دقيقا يكونون قد تيهّأوا لمحاورة ابنائه بطريقة ملائمة. ويدرّس تاريخ الفسلفة حتى اذا وقف الطلاب على المذاهب المختلفة في مبادئها الاخيرة، أخذوا بما يبدو لهم فيها صحيحا، وتمكّنوا من اكتشاف جذور الاضاليل وتسفيهها. وفي طريقة التدريس نفسها يبعث في الطلاب حب الحقيقة التي يجب تطلّبها بشدّة، وتقضيها وإقامة البرهان عليها، مع الاعتراف الصادق بمحدودية المعرفة الانسانية. ولا بد من التفطن باهتمام للروابط الوثيقة التي تربط ما بين الفلسفة ومشاكل الحياة الحقيقية، وما بينها وبين الحقائق التي تعتلج في نفوس الطلاب الاكليريكيين، كما لا بد من مساعدة هؤلاء على اكتشاف الصلة القائمة بين براهين الجدل الفلسفي وأسرار الخلاص التي تعالَج في اللاهوت على ضوء الايمان العلوي" (تنشئة الكهنة 15) .
وجاء في "اعطيكم رعاة" : "درس الفلسفة الذي يقود الى فهم أعمق وتأويل اصح للشخص والحرية وعلاقتهما بالعالم وبالله هو عنصر جوهري في التنشئة الفكرية...فلسفة سليمة بإمكانها وحدها ان تساعد المرشحين للكهنوت في وعي العلاقة الجوهرية القائمة بين العقل البشري والحقيقة.... ويجد الطالب في الفلسفة عونا كبيرا ليضيف الى تنشئته الفكرية ما يسمي ب" عشق الحقيقة"... " (رقم 52).
يمكن تلخيص ما قيل عن أهمية دراسة الفلسفة من هذه النصوص في النقاط التالية:
* البحث عن الحقيقة بصدق وثبات
* حب الحقيقة والبحث والبرهنة عنها بدقة
* الحصول على معرفة متكاملة عن الانسان والعالم والله
* التعرّف على عقلية عالم اليوم
* الاستعداد للحوار مع انسان اليوم
* التمرّن على القاء نظرة ناقدة للأمور والاحداث
* الوعي الى العلاقة التي تربط بين الفلسفة ومختلف العلوم الانسانية
* الوعي الى العلاقة التي تربط بين الفلسفة واللاهوت وأسرار الايمان المسيحي
* تعميق الاسس العقلية للإيمان المسيحي.
* الوصول، من خلال التفكير الفلسفي، الى تأكيدات ذي قيمة لا تتغير (الوجود واللاوجود)
* الوعي الى محدودية العقل البشري
* العمل على اكتساب قناعات فكرية شخصية تساعد في الحصول على نظرة شاملة ومتناسقة للواقع.

2. لماذا الفلسفة في المعهد الاكليريكي؟
السؤال حول فائدة دراسة الفلسفة في المعهد لشاب يتحضر لأن يكون راعيا ويبشّر بكلمة الله. أليس في ذلك ضياعا للوقت؟ ثم أليس في ذلك خوف من زعزعة ايمانه وقناعاته الماضية بوضعها على محك العقل والنقد؟ أبدا. هنالك أمور تشدّد عليها الكنيسة:
* يجب الاعتر اف بطاقات العقل البشري والاستفادة منها
* أكّد المجمع الفاتيكاني الاول ان العقل البشري يستطيع ان يصل الى البرهنة على وجود الله.
* لا يمكن محاورة انسان اليوم دون الرجوع الى قوة العقل وبراهين العقل.
* هنالك اسئلة ابدية يطرحها انسان اليوم (وكل انسان في كل زمان وكل مكان) مردّها عقلي وفلسفي. ومن هذه الاسئلة : ما هي الحياة، ومن أين اتينا والى أين نحن ذاهبون وما معنى الحياة والالم والموت وماذا ينتظرنا بعد الموت الخ...
لا شك ان الانسان المؤمن يجد اجوبة على هذه الاسئلة في الوحي المسيحي. لكن هنالك أيضا اجوبة نابعة من العقل البشري وهي اجوبة يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار،لا سيما وان هذه الاجوبة هي التي يجب استعمالها في التعامل مع من يطرح هذه الاسئلة ولا يتمتع بقناعات الوحي الالهي.
* دراسة الفلسفة هي افضل طريقة للتحضير لدراسة اللاهوت.
يقول تعليم الكنيسة الرسمي ان دراسة الفلسفة (بعد دراسة الكتاب المقدس والتقليد) فيها فائدة كبيرة لدارس اللاهوت.
تستطيع الفلسفة ان "تبرهن" بعض الحقائق اللاهوتية (وجود الله، الآخرة) وتستطيع ان تُلقي نورا ما على حقائق أخرى (الطبيعة والشخص، العارض والجوهر).
تستطيع الفلسفة ان تعطي تشابيه تساعد في فهم الاسرار اللاهوتية (حضور المسيح في القربان) .
تستطيع الفلسفة ان تساهم في الدفاع عن الايمان ببراهين عقلية وفلسفية.
لا بد اذا لطالب الكهنوت ان يتعلم الفلسفة لان معظم مشاكل انسان اليوم اساسها فلسفي. لا سيما وان الكاهن مدعو الى التعامل مع غير المؤمنين. وهو لا يستطيع اقامة حوار معهم ان لم يتمتع قبلا بثقافة فلسفية متينة.
مختصر القول: ضرورة دراسة الفلسفة بالنسبة للطالب الاكليريكي أمر لا مجال الى الشك فيه.

3. أية فلسفة؟
سؤال مهم بعد ان توصلنا الى ضرورة دراسة الفلسفة. لا شك أن الفلسفة المطلوب دراستها يجب ان تكون فلسفة سليمة وحقيقية. فما الفائدة من فلسفة تقودنا الى الشك لا الى معرفة الحقيقة والى اعطاء اجوبة مقنعة لتساؤلات الانسان العمقية والاساسية؟ لم تقبل الكنيسة ابدا مبدأ الشك المبدئي، ذلك ان العقل البشري يستطيع ان يصل الى الحقيقة الموضوعية.
اما بالنسبة للانسان المؤمن، فالفكر المسيحي يساعده في البحث عن الحقيقة. يقول مجمع التعليم الكاثوليكي : " لا شك ان المعرفة المتكاملة والمتناسقة التي تقود اليها الفلسفة لا يمكن ان تتناقض مع الوحي المسيحي. لا يمكن القبول بتعددية فلسفية تضع حقيقة الايمان موضع الشك. ذلك انه لا يمكن ان يوجد تناقض بين الحقائق الطبيعية والحقائق الموحى بها" .
والفلسفة ذات الطابع المسيحي التي نتكلم عنها هي الفلسفة " التومائية" (فلسفة توما الاكويني). هذا هو تعليم الكنيسة وقد ورد في الحق القانوني (1917) وفي اعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني : " ولكي تجلّى بعد ذلك أسرار الخلاص، تجلية فيها ما أمكن من الكمال، يتعلم الطلاب ان ينفذوا أكثر فأكثر الى أعماقها بتحليل نظري، وأن يكتشفوا ما بينها من ترابط، متخذين لهم في ذلك كلّه القديس توما معلّما" (التنشئة الكنهوتية رقم 16) .
وقد شدّد البابا الحالي أكثر من مرّة على اتخاذ القديس توما الاكويني معلما لدارسيّ اللاهوت. قال في زيارته (1979) لجامعة القديس توما في روما : " كلمات المجمع واضحة. فقد رأى اباء المجمع انه في سبيل اعطاء تربية صحيحة لكهنة الغد ولشباب اليوم، لا بد من البقاء على اتصال وثيق بإرث الكنيسة الفكري وبالخصوص فكر القديس توما الاكويني". وفكر توما الاكويني ليس فكرا لاهوتيا فحسب بل هو قبل ذلك فكر فلسفي بالمعنى العميق.
ما هي الفلسفة ؟
1. تعريف الفلسفة
* يمكن أن نحصل على تعريف اوّلي للفلسفة من اصل الكلمة اليوناني. وهذا الاصل اليوناني مكوّن من كلمتين: filo = محبة و sofei = الحكمة. كان الفلاسفة يدعون الحكماء. لكن فيثاغورس اعتبر ان الحكيم الاول هو الخالق فقط، لذا أراد ان يدعى الفلاسفة لا " الحكماء" بل "محبي الحكمة" .
تعريف آخر بسيط للفلسفة هو ما يعنيه الانسان العادي عندما يسمع او ينطق كلمة " فلسفة" . والمقصود هنا حكمة بشرية، معرفة اعلى من المعرفة العادية.
نستنتج من ذلك ان الفلسفة هي الحكمة البشرية. ليست فضيلة بل معرفة. ليست الهية بل بشرية. تختلف الفلسفة اذا عن المعرفة العادية وعن الفضيلة وعن اللاهوت.
* نحاول الان ان نعطي تعريفا اكثر عمقا وتحديدا للفلسفة. الفلسفة هي العلم البشري الذي يدرس بشكل سام اهم معضلات العالم والحياة (تكوين الاجسام، الحركة، تعدد الموجودات، وجود الله وطبيعته...) . نقول ان هذا التعريف حقيقي لانه لا يكتفي بأن يعرّف الكلمة بل ينفذ الى معناها الداخلي. يبقى ان نضيف على هذا التعريف ما يميّز الفلسفة عن باقي العلوم وعن علم اللاهوت.
* التعريف العلمي للفلسفة هو : Scientia omnium rerum, per altissimas causas, naturali rationis lumine comparata. ، أي " علم في جميع الموجودات، يبحث عن اسبابها الاخيرة على ضوء العقل البشري.
- علم. أي ليست فضيلة ولا فن ولا معرفة سطحية " شعبية"، بل معرفة علمية أكيدة وواضحة.
- جميع الموجودات. لا تستثني الفلسفة أمرا واحدا في العالم. كل الامور التي تعالجها العلوم تعالجها الفلسفة وتعالج غيرها ايضا. فمن صفات الحكيم ان يدرس جميع الامور وان يبحث عن العلاقات التي تجمع بين بعضها البعض وبينها جميعها وبين خالق الكون.
- يبحث عن اسبابها الاخيرة. تحاول الفلسفة الوصول الى الاسباب الاخيرة لكل الموجودات. وهي بذلك تتميّز عن باقي العلوم. فما يهم الفلسفة هو ابعد بكثير مما يهم العلوم التجريبية او التطبيقية. ذلك ان الفكرالبشري يحاول ان يفهم وان يفسّر كل شئ. وقد وصل الفكر الى تحديد الكثير من الاسباب التي تجمع بين مختلف ظواهر العالم، وتعمقت في هذه المعرفة اكثر فأكثر. اما الفلسفة فمرامها أن تصل الى اعمق ما يمكن وأبعد ما يمكن.
- على ضوء العقل البشري. أي ان المعرفة التي تحصل عليها الفلسفة مصدرها نور العقل البشري، دون اية مساعدة خارجية، بما في ذلك نور الايمان والوحي.

2. أصل الفلسفة
* اول أصل للفلسفة هو الرغبة الفطرية في المعرفة. يقول ارسطو ان الانسان يرغب فطريا في المعرفة. وهذه الرغبة من القوة بحيث انها لا تُقاوَم. كل انسان يريد أن يعرف الصحيح وان يتجنّب الخطأ . وان رغب الانسان في بعض الاحيان في ان يخدع غيره الا انه لا يريد ان يخدعه الغير. وهذه الرغبة في المعرفة طبيعية أي انها تولد مع الانسان وهي متأصلة في طبيعة الانسان. ولا شك ان الانسان يستطيع بالتربية ان يعمّقها وان يهذبها. ثم ان هذه الرغبة الفطرية منـزّهه عن المصلحة. أي ان الانسان يرغب في المعرفة في سبيل المعرفة، بعض النظر عما قد تجنيه من منفعة. ذلك أن الحقيقة هي موضوع بحث العقل وهي الغذاء الذي يبحث عنه العقل. من هنا نفهم العطش الى المعرفة ونفهم اللذة عند المعرفة والالم عند الفشل في المعرفة. وبعكس الجوع والعطش المادي، لا تكتفي الفلسفة بقدر ما من العلم بل تتوق دوما الى الاكثر والى الاعمق.
* ثم الرغبة في المعرفة بالوصول الى الاسباب. لا يكتفي الانسان ان يعرف ان وجد الشئ ام لا، او أن هذا الامر يحدث ام لا. يريد ان يعرف لماذا يحدث وكيف يحدث. وهذه الامر يبدأ عند الطفل الذي يزعج اهله بكثرة اسئلته ويكتمل عند العالم الذي يقضي السنوات في مختبرة يعيد الاختبار المرة تلو المرة. المعرفة السطحية لا تكفي لانها ناقصة. المعرفة السطحية (الامثال الشعبية مثلا) هي مرحلة اولى يجب ان تكتمل بعلم أعمق ينفذ الى الاسباب البعيدة. هذا هو أصل الفلسفة.
* اول ما درسه الفلاسفة . ولد العلم ليجيب على اسئلة الانسان. وهكذا الفلسفة. فما هي الاسئلة الفلسفية التي طرحها الانسان على نفسه؟
- السؤال الاول: ما هي مكوّنات العالم المحسوس؟ حاول اول الفلاسفة اليونان ان يفسروا ذلك بالمواد الاربعة (الماء والهواء والنار والارض) .
- السؤال الثاني: هو سؤال عن الحركة. أصل السؤال استنتاج واضح: هنالك حركة في العالم. والاشياء تتبدّل باستمرار. كيف يتحول الشئ الى شئ آخر؟ كيف يأتي شئ من شئ آخر؟ وكانت الاجوبة مختلفة ، فمنهم (هيراكليتوس) من قال ان الحقيقة الوحيدة الموجودة هي الحركة. ومنهم (بارمينيدوس) من قال ان الحركة خداع ولا وجود لها، ومنهم (ديموكريتوس واناكساغورس) من قال أنه ليس هناك تغيّر بل حركة محلية.
- السؤال الثالث: وهو نتيجة للأسئلة السابقة : من أين يأتي العالم؟ ممّ يتكوّن العالم؟ هل هنالك تغير ام حركة، هل الكائن واحد ام متعدّد؟ هل هنالك جواب كامل على هذه الاسئلة؟ هل هنالك جواب جزئي؟ هل يستطيع عقلنا ان يصل الى الحقيقة الثابتة؟ ما قيمة المعرفة العلمية ان لم يكن باستطاعة العقل ان يصل الى المعرفة الاكيدة؟ والاجوبة هنا متعددة ايضا وهي تتأرجح من الشك المطلق الى التأكيد المطلق.

* البُعد العلمي للفلسفة. نعلم الآن ان الفلسفة وُجدت لتعطي اجوبة على تساؤلات الانسان الفطرية، لا بل انها اسمى تعبير عن هذه الحاجة الى العلم والمعرفة. لذا تريد المعرفة الفلسفية ان تكون معرفة علمية. ذلك ان الفلاسفة لم يكتفوا بملاحظة الظواهر بل حاولوا الوصول الى اسبابها. ولم يحاولوا الوصول الى الاسباب بشكل عشوائي بل بشكل منظّم ومنهجي. لم يكتفوا بالاسباب القريبة بل حاولوا الوصول الى تلك البعيدة والاكيدة والعامة. وهذه هو تعريف العلم، وهذا هو تعريف الفلسفة.

3. موضوع الفلسفة
المعرفة الفلسفية هي أسمى تعابير رغبة الانسان في المعرفة. ومن هنا علينا ان نحدد ما هو موضوع دراسة الفلسفة. موضوع اية دراسة هو بنوع عام كل ما تتناوله هذه الدراسة. ويمكن تمييز ثلاثة مواضيع:
- الموضوع المادي: Objet matériel هو موضوع الدراسة. (الارض، النباتات، الحيوانات... هو موضوع دراسة الجغرافيا) .
- الموضوع الشكلي formel quod . هو وجهة النظر الخاصة التي يُدرس الموضوع المادي من منطلقها. فنفس الموضوع المادي قد يكون مشتركا بين أكثر من علم، وكلم علم يدرسه من زاوية محددة (الارض = فيزياء، جغرافيا، جيولوجيا، فلك، فلسفة ...)
- الموضوع …… formel quo . هو النور الذي فيه يُدرس الموضوع المادي. فلا يمكن دراسة أي موضوع دون نور معيّن. وهنالك نوران يمكن دراسة المواضيع فيهما : نور العقل وحده ونور العقل مستعينا بنور الوحي الالهي.
* ما هو الموضوع المادي للفلسفة؟ كل الموجودات.
* ما هو الموضوع الشكلي formel quod ؟ الاسباب الاخيرة.
* ما هو الموضوع ….. formel quo? نور العقل الطبيعي.

4. المنهجية العامة للفلسفة
يوجد في الفلسفة منهجان اساسيان للوصول الى المعرفة. الاستقراء والاستنتاج.
- الاستنتاج. لا يمكن الاعتماد عليها فقط دون الاخرى. يقوم الاستنتاج بالاعتماد على معطيات مبدئية a priori (دون الاعتماد على الخبرة) للقيام باستنتاجات عامة ، بطريقة التفكير العلمي الصحيح. لا شك ان هذا المنهاج جيد، لا سيما في المبادئ العامة، لكنه لا يكفي. فمن أين تأتي هذه المعطيات المبدئية؟
- الاستقراء. هو أيضا لا يمكن الاعتماد عليه فقط. يقوم الاستقراء بالانطلاق من معطيات الحس والتجربة، والوصول منها الى مبادئ عامة. هذا الاسلوب جيد جدا، وهو المتبع في العلوم التطبيقية، لكنه لا يكفي، لان الخبرة لا يمكن ان تكون المصدر الوحيد للمعرفة.
يقوم الاسلوب الامثل بالبدء بالاستنتاج للوصول الى المبادئ العامة، ثم الانطلاق من هذه المبادئ العامة للوصول الى استنتاجات وتطبيقيات مفصّلة.

5. أهمية وضرورة الفلسفة
هنالك أكثر من عنصر يُظهر أهمية الفلسفة.
* اول عنصر هو موضوع الفلسفة نفسها. فموضوع الفلسفة هي المسائل الاكثر أهمية في الحياة (النفس، العالم، الوجود، الله). وما من مواضيع أكثر أهمية من هذه. فما يهم الانسان هو اولا ذاته وحياته وما يحيط به. فقد قيل : " ليست أكبر تعاسة للإنسان ان يجوع او أن يعطش او أن يموت، بل أن يجهل لماذا يولد ولماذا يتألم ولماذا يموت" .
* عنصر ثان هو مدى تأثير الفلسفة على الانسان.
- فهي تكمل ذكاءه. تساعده على وضع سلّم الاولويات للأمور التي يتعامل معها. كما تمرّن العقل على ان يرفض الحلول السطحية او الفارغة من المعنى وأن يدرس ويبحث ليصل الى أعمق ما يمكن الوصول اليه. وهي تعلّمه ايضا أن ينظر الى الامور نظرة شاملة.
- وهي تؤثر أيضا على ارادته. فالانسان يعيش في النهاية بحسب ما يفكر ويؤمن عن الحياة والقيم والحرية والوجود والله والآخرة. الفلسفة الخاطئة تقود عادة الى طريقة حياة خاطئة أيضا. هنالك أناس لهم فلسفة جيدة يعيشون حياة خاطئة او العكس، لكن هذا مردّه ان الانسان غير منسجم دوما مع خياراته الجذرية.
هنالك مثل يقول: "اولا نعيش ثم نتفلسف" . Primum vivere, deinde philosophare. ما المقصود بذلك؟ اذا كان المعنى ان نلوم من يضيعون وقتهم في النقاش العقيم وينسون ان يأمّنوا لانفسهم مستلزمات الحياة الاساسية، فالمثل صحيح. لكن ما يحدث غالبا هو ان الانسان يتنازل عن ملكة التفكير بحجة تأمين أمور الحياة. عندئذ يصبح المثل " فكّر اولا ثم ابحث عن العيش" . وهذا ايضا صحيح. فالانسان لا يعيش بطريقة عقلانية وصحيحة الا اذا كان عنده تصوّر واضح عما هي الحياة. ومثال الملتزمين بخط فكري أو سياسي محدد ويعانون في سبيله الالم والسجن خير دليل على ذلك.
- وهي تؤثر ايضا في المجتمع. فالأفكار هي التي تقود العالم، حتى لولم يكن الامر واضحا دوما. وهذا أمر ينطبق على الافراد كما ينطبق على المجتمعات. وإن كان الافراد يتخاذلون ولا يعيشون دوما حسب المبادئ فميل المجتمعات الى الالتزام بالمثل أقوى من ميل الافراد. وهي (المجتمعات) تعبّر عن ذلك بأكثر من طريقة (الشعر، القصص، الاعلام...) . وتأثير الافكار والمبادئ في المجتمعات يسير ببطء لكنه يصل الى الغاية (مبادئ الثورة الفرنسية مثلا) .
أما ضرورة الفلسفة، فيمكن القول انه لا يمكن الاّ تكون فلسفة. قال ارسطو " ان كانت الفلسفة ضرورية فيجب دراسة الفلسفة، وإن لم تكن ضرورية فيجب دراسة الفلسفة ايضا" . اما فولتير فقال : " ان الاستهزاء بالفلسفة هو في حد ذاته فلسفة" .
والفلسفة ضرورية ايضا لانها جواب عى تساؤلات الانسان الاساسية وعلى ميل الانسان الفطري لمعرفة الامور بأسبابها العميقة. وبما أن الانسان لديه الامكانيات لدراسة الامور (الحواس والفكر)، فلا بد من امكانية دراسة كل شئ وإعطاء الحلول المرضية عنه.
لا شك انه ليست للفلسفة تطبيقات عملية مباشرة، لكن هذا أمر طبيعي. فهي تؤثر في جميع العلوم دون أن تحرّك ساكنا، كالمهندس المعماري الذي يقوم ببناء بناية والاشراف عليها بأدق تفاصيلها دون ان ينقل حجرا واحدا.
وأخيرا الفلسفة مهمة حتى للمسيحي الذي يتمتع بأجوبة على جميع تساؤلاته بفضل ايمانه. لا شك ان الفلسفة ليس سببا للإيمان، لكنها ضرورية لترسي قواعد الايمان العقلية وتساهم في تفسيره وتجيب على الاعتراضات او التفسيرات الخاطئة التي تعترضه. كان القديس توما الاكويني يقول ان الهجوم على أسس الفلسفة أخطر من الهجوم على أسس الايمان، لان افساد أسس العقل يدمّر الاثنين معا.

بين أن للفلسفة حدود
* لا تستطسع الفلسفة ان تضمن دوما معرفة تامة في جميع الامور. فهنالك دوما مواطن شك وظلمة في مواضيع تخص الانسان والوجود والله والخلق ...
* هنالك حدود في المواضيع الادبية. فالفلسفة لا تستطيع ان ترسي وحدها الاسس اللازمة للأخلاق، وان توصلت تصل الى بعض منها لا الى جميعها.
* أخيرا، بما أن الفلسفة تعتمد فقط على العقل البشري في البحث عن الحقيقة، فالانسان الذي يمارس طاقة الفكر غير منـزّه عن النـزوات والمصالح والخطأ والمبالغة في بحثه.

6. التقسيمات العامة للفلسفة
* المنطق: هو العلم الذي يتحكم في عمل التفكير نفسه. أي ان الانسان عندما يفكر ويبحث، يقوم بذلك بشكل مرتّب وسهل وفي مـأمن من الخطأ. العقل هو الذي يقود الانسان في عمله (لكون الانسان حيوانا عاقلا). يضع لنفسه هدفا ثم يأخذ الوسائل اللازمة للوصول الى هدفه. وللعقل ايضا قوانينه ليسير سيرا صحيحا وليصل الى الحقيقة بشكل منظّم ودون خطأ . هذا هو هدف علم المنطق.
* الفلسفة الطبيعية. تدرس الجوهر المحسوس والمتغير من حيث انه متغير. وفيها قسمان كبيران : علم الفلك وهو يدرس الاجسام المتغيرة في حد ذاتها، حية او ميته. وعلم النفس وهو يدرس فقط الاجسام المتغيرة الحية.
* علم ما وراء الطبيعة. هو علم الكائن من حيث أنه كائن. تدرس الفلسفة الطبيعية الكائنات من حيث انها متغيرة ومن حيث ارتباطها، بشكل أو بآخر، بالمادة. اما علم ما وراء الطبيعة فيدرس الكائنات التي ليست خاضعة للحركة ولا متغيرة (الله، الارواح المحضة، الكائن، الجوهر ...) . يدرس الكائن من حيث أنه كائن، دون النظر الى كونه مخلوقا ام غير مخلوق، عملا نقيا pur ام مخلوطا mixte . وهنا ايضا قسمان: علم ما وراء الطبيعة العام (علم الكينونة onthologie ) يدرس الكائن بنوع عام وكا ما يتعلّق به، وعلم اللاهوت الطبيعي Théodicée ، الذي يبحث عن الله في نور العقل وحده.
* علم الاخلاقيات. وهو علم الاعمال البشرية من حيث توجهها الى غايتها الاخيرة التي هي السعادة. وكما ان علم المنطق يساعدنا في توجيه عمل عقلنا لنصل الى الحقيقة، علم الاخلاقيات يساعدنا على توجيه عمل ارادتنا لنعيش باستقامة لنصل الى السعادة التي تتناسب وطبيعتنا البشرية.
7. العلاقة بين الفلسفة وباقي المعارف

1. الحس السليم common sens . الحس السليم - بنوع عام - هو ما يتمتع به عامة الناس العاديين للحكم على الامور حكما سليما. لكن هل هذا الامر يختلف عن الذكاء؟ ما المقصود بالحكم السليم؟ ومتى نستطيع القول ان حكم جماعة الناس سليم؟
هنالك تعريف آخر - أكثر عمقا - للحس السليم. الحس السليم هو الذكاء البشري، المتواجد عند غالبية البشر، الذي يستنتج الحقائق الاكيدة والواضحة المنبعثة من المعرفة الحسية الكائنات التي هي أساس المعرفة والاحكام في حياة البشر العادية. مجموع هذه الحقائق المباشرة والاكيدة هو ما ندعوه الحس السليم. (مثلا: الوجود، وجود الحركة، الكل اكبر من الجزء، فاقد الشئ لا يعطيه، لا يمكن أن يأتي الكامل من الناقص الخ...) .
اما عن علاقة الفلسفة بالحس السليم، فكل فلسفة سليمة لا بد وان تتأسس على الحس السليم، لان ما يقوله الحس السليم حقيقة أكيدة ومباشرة. وقبول الفلسفة لما يقوله الحس السليم ليس قبولا سلبيا، ذلك ان الفلسفة لها ما تقوله وما تحدده في معطيات الحس السليم. فالعلاقة بين الفلسفة والحس السليم تشبه الى حد بعيد العلاقة بين المعرفة الشعبية والمعرفة العلمية للأمور. بمعنى آخر، يتمتع الحس السليم بالحلول المبدئية للتساؤلات الفكرية. وعندما تتناقض الاستنتاجات الفلسفية مع استنتاجات الحس السليم، فاستنتاجات الفلسفة هي الخاطئة.

2. الفلسفة والخبرة الحسية. تبتدئ الفلسفة بالخبرة الحسيّة. كل معرفة تبتدئ بالحواس ، والحواس شرط لا بد منه للمعرفة الفلسفية. واول معطيات المعرفة هو العالم الحسي. وهذه المعرفة الحسية تتضمّن بشكل غير منظور معطيات غيرحسيّة - ما وراء الطبيعة والاخلاق- (الكائن والسببية والنظام والواجب) . والحقيقة المنبثقة عن هذه المعرفة الحسية اكبر من تلك المنبثقة عن المعرفة العلمية (مباشرة وسهلة التحقيق) ، مع انها لا تتمتع بنفس الدقة العلمية (بسبب نقص بعض التفاصيل الدقيقة) .
بيد أن الفلسفة تتعدّى الخبرة الحسية. فمع ان كل معرفة تبتدئ في الحواس، لكن الفلسفة هي معرفة الامور بأسبابها البعيدة. وهذه الاسباب مركزها الفكر لا الحواس. لذا لا بد من تخطي المحسوس للوصول الى الفكر، وبالتالي يعتبر الفكر أسمى من المحسوس. تأخذ الفلسفة معطيات الحواس التي قد تكون غامضة وبدائية وتبني عليها وتعمّقها وتوضّحها.

8. الفلسفة والعلوم
* بنوع عام:
- بما ان الفلسفة هي الحكمة، فلها دور في اعطاء حكم على باقي العلوم وارشادها وحمايتها وتنظيمها. وهذا الدور يبدو واضحا جدا فيما يسمّى بالعلوم الانسانية (علم الاجتماع والتربية والتاريخ والسياسية...) لان لهذه العلوم علاقة مباشرة بالانسان وغاية الانسان والقيم. بيد ان نفس الدور ينطبق ايضا على العلوم الطبيعية. فللفلسفة حق الحكم عليها (اي انها تعلن أن النتيجة العلمية الفلانية خاطئة ان هي ناقضت حقيقة فلسفية معينة) . والسبب في ذلك هو أن بعض هذه العلوم قد تتطرق الى أمور فلسفية وخُلقية محضة (الحياة والطب مثلا). كما أن للفلسفة دور قيادي لهذه العلوم، بمعنى انها تطبّق عليها المبادئ الفلسفية الاساسية (مبدأ الغائية او السببية...) ثم إن على الفلسفة واجب حماية العلوم لان العلوم تطبّق فرضيات لا تملك هي ما يلزم للبرهنة عليها ، وهذه البراهين تأتي من الفلسفة (الغاية مثلا) . وأخيرا، الفلسفة تنظم العلوم الطبيعية وتضع لها سلّما للأهمية وتحافظ على النظرة الشاملة والواحدة للعلوم بنوع عام.
- ولكون الفلسفة علما، فلها - مثل باقي العلوم - هدف مشترك (البحث عن الاسباب) وأصل مشترك (الخبرة) . ومع ان العلوم تبحث عن الاسباب الظاهرة والقريبة، تنطلق الفلسفة الى الاسباب الاخيرة والبعيدة. اما الخبرة، فصحيح أن الفلسفة تبتدئ بها، لكنها تتعدّاها. لا شك ان الفلسفة تستفيد من العلوم لانها هذه الاخيرة تعطي للفلسفة مادة الدراسة الاولية Objet matériel . لكن الفلسفة لا تعتمد على العلوم لانها لا تقف عند الحد الذي تقف عنده العلوم.

* بنوع خاص
- أين تنتهي العلوم وأين تبتدئ الفلسفة؟ ما هو الخط الفاصل؟ هذا التفكير خاطئ. لا يمكن التفكير ان هناك عالمين من العلوم يفصل بينهما خط أحمر (عالم الفكر وعالم المادة). يقول ارسطو أن عناصر الواقع غير منفصلة بل مركبة (المادة والشكل، عالم الحس وعالم الفكر) ليسا عالمين ولا كائنين منفصلين بل مبدأان متحدان في كائن واحد. فالكائن الحقيقي إذا واحد لكنه مركّب. من هنا لا يوجد حد فاصل بين عالم الحواس وعالم الفكر. لا شئ يحدّد مجال البحث العلمي ما دامت هناك وسائل للبحث، والفلسفة ليست "ما بعد" العلوم الطبيعية بل هي هذه العلوم نفسها. من هنا علاقة الفلسفة بباقي العلوم هي علاقة العالم الحسي بالعالم الفكري.
- هل التأكيدات العلمية اكمل من التأكيدات الفلسفية؟ نتكلم عن التأكيدات عندما يلتزم الفكر باستنتاج ما دون أي تردد. وأساس أي تأكيد هو وضوح الامر وضوحا لا لِبس فيه. التأكيدات العلمية مبنية على الوضوح الحسي (المبني على الخبرة)، بينما التأكيدات الفلسفية مبنية على على الوضوح العقلي والفكري (المبدأ الاول " لا يمكن لنفس الشئ في نفس الوقت وفي نفس العلاقة أن يكون موجودا وغير موجود") .
مبدئيا اذا، التاكيدات الفلسفية أسمى من التأكيدات العلمية بسبب سمو مبدأ وضوحها. فالوضوح المتأتي من الاسباب الاولى (الفلسفية) واضح ولا لبس فيه. بينما الوضوح المتأتي من الاسباب الثانوية (العلمية) والحسية يبقى ناقصا، لان موضوعه ناقص (عالم الحواس) .
عمليا، تظهر التأكيدات العلمية أكثر وضوحا من التأكيدات الفلسفية، ذلك أن هذه الاخيرة لا تتمتع بقوة التأثير المباشر التي تتمتع بها التأكيدات العلمية. ومردّ ذلك هو أن موضوع الفلسفة (جوهر الاشياء الحسية) غير ملموس وغير خاضع للتجربة المخبرية المباشرةكموضوع العلوم. زد على ذلك ان العمل الفلسفي الفكري، لا سيما علم ما وراء الطبيعة، يتطلّب طاقة ومستوى من الفكر ليس من السهل الوصول اليه.

9. الفلسفة واللاهوت والايمان
يمكن تلخيص العلاقة بين الفلسفة واللاهوت والايمان فيما يلي: يختلف اللاهوت عن الفلسفة، وهو أسمى منها، وهو يساعدها ويحتاج اليها في نفس الوقت.
- يختلف . الاختلاف جوهري وهو في الموضوع المادي والموضوع الشكليobjet formel quo et objet matériel . فاللاهوت يعتمد على نور الايمان والفلسفة تعتمد على نور العقل. واللاهوت يعتمد على شهادة الله في الوحي والفلسفة تعتمد على شهادة البرهان العقلي.
- يسمو عليها ذلك ان الموضوع المادي للاهوت أسمى من الموضع المادي للفلسفة، علاوة عما ذكرناه في الفقرة السابقة. فللاهوت اذا الحق في الحكم على استنتاجات الفلسفة بأنها خاطئة إن هي تناقضت مع ما جاء في الوحي.
- يساعدها ما ذكر سابقا هو اول مساعدة (تحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ بناء على مطابقته للوحي ام لا) . ثم ان هنالك كثير من المفاهيم التي تدرسها الفلسفة ولم تكن لتصل اليها لولا نور الوحي (مفهوم الخلق، الشخص، الطبيعة...)
- تطلب مساعدتها. ذلك ان دراسة اللاهوت مستحيلة دون جهد الفلسفة. فالفلسفة تعطي اولا الاساس العقلي لبعض الحقائق اللاهوتية (وجود الله، خلود النفس) وتعطى ثانيا تشابيه عقلية تساعد في فهم العقيدة الايمانية (الثالوث، التجسد) وتدافع ثالثا ببراهين عقلية عن الحقائق الايمانية المعرضة للشك او النقض.

10. هل هنالك فلسفة مسيحية؟
هل نستطيع الكلام عن فلسفة مسيحية؟ وبأي معنى؟
* لا نستطيع ان نتكلم عن فلسفة مسيحية بالمعنى الحرفي. ذلك ان الفلسفة شئ والدين شئ آخر. ونور دراسة كل منهما يختلف عن الآخر. فالمؤمن يقبل وجود الله بناء على كلمة الله والفيلسوف يقبل وجود الله بناء على نور العقل.
* يمكن الكلام عن فلسفة مسيحية بالنسبة للموضوع المادي Objet matériel . وهنا للفلسفة واللاهوت موضوع مادي واحد (الانسان، وجود الله، النفس البشرية الخ...) . والعِلمان يعطيان على نفس الموضوع اجوبة متشابهة (الله موجود ، النفس البشرية روحية ...) . ولان الحقيقة واحدة، تتفق الفلسفة واللاهوت على نفس التأكيدات مع اختلاف وجهات النظر واختلاف النور الذي في ضوئه تتم الدراسة. من هنا، الفلسفة المسيحية هي الفلسفة التي تتطابق استننتاجاتها مع استنتاجات اللاهوت، او الفلسفة المستعدّة ولو مبدئيا، لقبول ما يقوله الايمان.
ثم يمكن الكلام عن فلسفة مسيحية من حيث الشخص. فهنالك اشخاص هم في نفس الوقت فلاسفة ومؤمنون. فالفيلسوف المسيحي، ولو لم يكن للاهوت دور مباشر في بحثه الفلسفي، يعتمد بشكل مبدئي على ما يقوله اللاهوت ليؤكد استنتاجاته الفلسفية. فهو يعلم نفس الحقيقة من منطلقين مختلفين (الايمان والعقل) . وهذا غنى دون شك.

11. الفلسفة وتاريخ الفلسفة
ليس تاريخ الفلسفة فلسفة بالمعنى الحقيقي. فالفلسفة تبحث في الاسباب الاولى للموجودات. بينما تاريخ الفلسفة هو استعراض للحلول التي توصل اليها الفلاسفة عبر القرون للمشاكل الفلسفية. فهي ليست تاريخا بالمعنى العلمي بل عرض علمي وفكري يهدف الى خلق قناعات شخصية. لا شك ان تاريخ الفلسفة أمر مهم، لكنه ليس أهم ولا بمستوى أهمية الفلسفة نفسها.

12. الفلسفة والفلسفات
يحاول كل فيلسوف ان يجد الاسباب الاخيرة العامة والشاملة للأمور وأن يبني بناء فكريا محكما ومنطقيا ومتناسقا. بيد ان جميع الفلسفات لا تعطي نفس التفاسير لجميع الامور. فتاريخ الفلسفة عامر بالاختلافات او حتى التناقضات بين مختلف المذاهب الفلسفية حول أكثر من موضوع. لكن الفلسفة تابعت ميسرتها من خلال المناقشات والتعثرات والاخطاء ووصلت الينا اليوم وكانت قد ابتدأت اول ما ابتدأت من الفلاسفة اليونان. ومع هذا التطور بدت الحقيقة واضحة المعالم دائما أكثر كما توضحت ايضا معالم الخطأ . من هنا نقول ان الفلسفة في تطور مستمر. وهذه الفلسفة التي تتوضح معالمها باستمرار هي التي ندعوها "الفلسفة الدائمة" . هي الفلسفة الانسانية التي تسمو باستمرار على الفلسفات الشخصية.
وهذه الفلسفة الدائمة ليست ثمرة جهد أي فيلسوف بمفرده. فلا أحد يملك الحقيقة لوحده. ومن الطبيعي ان تكتمل الحقيقة الفلسفية وتتوضح باستمرار. لكن لا شك ان هنالك وجوه تمثّل هذه " الفلسفة الدائمة " أكثر من غيرها، ومن هذه الوجوه نذكر ارسطو ونذكر توما الاكويني واغسطينوس. لم تقف الفلسفة الدائمة عند توما الاكويني، لكنه بلا شك نور لا غنى عنه للسير فيها.

بيت جالا في 30/4/1999
الاب مارون اللحام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بالزوار الجدد

الجديد هيلاقي اسمه اول اسم فى القايمه بلون اخضر يضغط عليه كليك ويغيره ويكتب اسم مستعار وكمان يقدر يغير الصورة

اعـــــــز اصحـــــــــاب

شااااااااااااااهد جميع المباريات على قناة الجزيرة

اجمل صور

اجمل صور
شاهد ارق الصور