برامج اصدقاء العاب ابحاث مشكلات دردشه كل ما هو جديدفى عالم الموضه الازياء الجمال

الاثنين، 27 يوليو 2009

علاقة الانسان بالكون

مقدمة
تحتاج الحياة البشرية بما فيها من تعاملات وتفاعلات بين الأفراد بعضهم البعض أو بين الأفراد وبيئاتهم، أو حتى في علاقة الفرد بذاته، تحتاج كلها وباستمرار إلى التقييم والتقدير، ثم إلى التعديل والإصلاح لنواحي الضعف والاعوجاج، والتدعيم والتنمية لنواحي القوة والازدهار؛ أي أن الحياة كلها – على المستويين الفردي والاجتماعي – تحتاج إلى تقويم دائم وإصلاح شامل لكل جوانبها، بل ولكل موقف فيها.








الفصــــل الأول
المبحث الأول الفلسفة الكونية

هل نحن بحق ملمين بما يرضي عقولنا وذكائنا من معلومات وتفسيرات حول هذا الكون الذي فيه نعيش وهل نعرف لماذا وجدنا فيه ولماذا وجد هو أصلاً ؟؟ هل نعرف من نكون وكيف هي حياتنا ... ما الغرض من وراء معرفة الفلسفةِ في حياةِ الشخص العملي ؟
الفلسفةَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونُ مفيدةً إلى الأب ِ، المعلّم، الطالب، المهندس، الفنان، المزارع، البحّار، السياسي، الطبيب، المحامي ، السبّاك، أَو النجار ، ويُمْكِنُ أَنْ تَكُونُ الفلسفةَ تطبيقيةً في عمليةِ الإداء والإنْجاز لأي من تلك الأدوارِ؟
ويُمْكِنُ كذلك أَنْ تَكُونُ مفيدةً في الحياة العاديةِ والمسؤوليات الدنيويِة ؟
لا شيئ من هذه الأدوار يُمكنُ أَنْ يكُونَ بشكل صحيح ويؤدى بانسجام بدون القدرةِ على التَفكير في الحقيقةِ الأعمقِ من شكل المهنة أو الوظيفة
إن سببُ هذا الوجودِ الماديِ هو أن نَتعرّفُ على الحقيقةِ ، والحقيقةِ هي التي سَتحرّرِنا.
فما هي الحقيقةِ حول الحياةِ التي سَتُحرّرُنا ؟
الفلسفةِ تعني أنْ نكُونَ أصدقاء مع الحكمة . الفلسفة هي دراسةُ الحكمةِ ، هي دراسة الحقيقةِ، هي البحث لتفسيرِ مُخْتَلِف الظواهر والأسئلة التي تتعلق بوجودِ الإنسان والطبيعة والحياةِ والكونِ.
ماذا تعني الفلسفة الكونية ؟
مهما كان عمَلُنا في الحياةِ، يَجِبُ أَنْ نَكُونَ قادرون على أن نُدركَ ما نعَمَله ضمن السياق الكاملِ. نَحتاجُ لفَهْم الأساسِ لكل شيء : كمثل نقاط واسس على شكل مباديء :
لماذا نحن هنا على هذا الكوكبِ؟
ما الذي جئنا من أجله هنا؟
ما هو غرض الحياةِ؟
ما هي علاقتُنا مَع من هم حولنا، الناس، الحيوانات، الطبيعة، الكواكب؟
ما هي الحياة وما هو الموت ؟
ماذا يَحْدثُ بَعْدَ أَنْ نَتْركُ أجسامنا الفيزيائية ؟
أين كُنّا قبل أن نولد هنا ؟


إنه لمن الضروريُ تَحرّي الاجابات حول هذه الأسئلةِ لكي نكُونَ قادرين على أدّاء أيّ مِنْ أدوارِ حياتِنا بالوضوحِ والتميزِ، فمعرفة ما هو مفيدُ أو غير مفيد ، يستند على الغرضِ الحقيقيِ لوجودِنا على هذه الأرضِ.
فهَلْ سَبَقَ أنْ عبرنا عن مثل هذه الأسئلةَ ؟
إن معظمنا لو سألته عن مثل هذه الأفكارِ سيقول لك : يُمْكِنُنا أَنْ نَعِيشُ حياتَنا بدون بَحْث عن أجوبة لمثل هذه الأسئلةِ فلماذا نتعب رؤوسنا ؟
أن نعَيْش الحياةِ بدون وعي لها ، سيُؤدّي إلى أن نحيا بدون معني للحياة
أي رجل يَعِيشُ في الهند اليوم ،يعبر عن هذه الحقيقةِ فيقول :
هناك أربعة أشياءِ يجب على كُلّ رجلِ أَنْ يُثيرَ إهتمام نفسه بها :
من أنا، ومِنْ أين أتيت ،
وإلى أين أنا ذاهب ، وكم سأبقى هنا ؟
كُلّ التحققات الروحية تبْدأُ بهذه الأسئلةِ وتحاولُ إكتشافْ الأجابةَ.
فلنفترضْ أن هناك رسالة وَضعتْ في صندوقِ البريد بدون العنوانِ الذيُ يَجِبُ أَنْ تذْهبَ اليه أَو العنوانَ الذي جاءت منه .
فهي بذلك لن تصلَ لأي مكان.
فهي إذن نفايةُ لمن كَتبَها .
ونفايةُ أيضاً للعالم التي جاءت إليه ، تماماً كمثل من لَيسَ معروفَ مِنْ أين أتى وإلى أين سيذْهبُ.
الرسالة في هذه الحالة سَتَذْهبُ إلى مكتبِ الرسائل المعلقة .
وهكذا يَعِيشُ معظم الناس لسوء الحظ حياتِهم اليوم بهذه الطريقة.
فهم يتبعون بصورة عمياء القِيَمَ المشوّشةِ والسطحيةِ التي فَرضتْ عليهم ،فالحياة في مجتمع موجه مادياً، لا يمكن أن توصل البشر للفهم العميق حول المعنى والغرض من حياتِهم.
فهل يُمْكِنُ أَنْ يَصِلُ مسافرُ إلى وجهته الصحيحة إذا كان السائقِ لا يَعْرفُ أين هو ذْاهبُ كيف يُمْكِنُ أَنْ يُقرّرَ الفرد كيف يعَيْش وكَيفَ يَتصرّفُ، وماذا يعمل في وقته وجُهده أو طاقتة أَو أفكاره ، إذا كان لا يَعْرفُ ما الغرضَ من حياته ؟
إن جهلنا لطبيعتِنا الحقيقيةِ ، وعلاقتنا مع البيئةِ ، والغرض من وجودنا في هذا العالمِ هو المسؤول عن هذا التشويش العظيمِ
فقلة القِيَمِ الأخلاقيةِ ، والنزاعات المنتشرة ، والعنف والمعاناة الإنسانية في العالمِ اليوم.
هي بسبب هذا الأساسِ الجاهل بين الناس ، فالحياة على الأرضِ بعيدة جداً عن ما يُمكنُ أَنْ يَكُونَ داَفعَ للناسَ لتوجيه إنتباههم أكثرَ إلى حياتهم الداخلية.
فنحن ماذا نَعْرفُ حقيقة عن حياتنا وعن الكون الذي نعيش فيه ً؟
فبينما العِلْم يُواصلُ كَشْف الأسئلةِ أكثرِ مِنْ الأجوبةِ حول الكونِ وحقائقه وألغازه ، ونحن لا زلنا نَصِلُ إلى نفس النهاية التي وصلها سقراط قبل ألفين وخمسمائة سنةً عندما قالَ
"أنا أَعْرفُ شيئاً واحداً فقط ، وهو أنّني لا أَعْرفُ شيئاً ". فنحن نركز فقط على سطحِ الأشياءِ ، ونعتقد بإِنَّنا متأسسين على قواعد خرسانية بمعتقداتنا وأفكارنا حول هذا العالم الذي نعيشه ، في أن الأشياء هي بمثل ما نعتقد ،ٍ ويغيب عن وعينا في أننا نعيش بالكامل فوق جبل ثلجي لا نرى منه أكثر من عشره على أبعد تقدير ...
فعلى سبيل المثال، وفي هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا الموضوع ، وأنت تجلس على سريرك أو على كرسيك بسكون وهدوء.
تَشْعرُ فقط بالسكون.
لكن الحقيقةَ أنّك تُطيّرُ بسرعة 1000 ميلَ في الساعة حول مركزِ الأرضِ، وبسرعة 67,000 ميل بالسّاعة حول الشمس وبسرعة 600,000 ميل بالسّاعة حول مركزِ مجرتنا .
وبرغم ذلك نُدركُ ونشعر بأنّنا في وضعية السكون. فهل نعمَلُ على إدراك الحقيقة أم على تشويهها ؟؟؟ نَقُولُ بأنّ الشمسَ تشعُ وتَهْاجمُ أفقَنا كما لو أنَّ الشمس تدور حول الأرضِ ، بينما الحقيقةِ أن تلك هي حركةِ الأرضِ على محورِها.
وأما بالنسبة لدورانِ الأرضِ حول الشمسِ ، فقد وُضِعَ جاليلي في السجنِ عندما تَجَاسُر بقَول هذه الحقيقة يوماً ما لأن حكم الكنيسةِ كان يقضي بأنّ الأرضَ هي مركز الكونِ وأن الشمسِ يَجِبُ أَنْ تَدُورَ حولها وما الذي يؤكد لنا بأننا لسنا جهلة في هذا الأمر كمثل أسلافنا ، فيما إذا جاء علماء آخرين ليكتشفوا حقائق جديدة في المستقبل القريبِ
ما الذي نَعْرفُه حقاً؟
نحن نعتقد بأننا نعيش في كون مادي ، حيث كل شيء مكون من أجسام مادية صلبة ... لقد أثبتتْ الفيزياء النوويةُ الحديثةُ عكس ذلك حيث أن حقيقة تلك الذرّاتِ التي تَخلقُ وتكون هذا الكونِ الماديِ هي فارغة كالسماء الليلية.
إنها فراغ بقطبين كهربائيينِ مُخْتَلِفينِ .
والذرّةَ عملياً فارغةُ مِنْ المادة ..
فإذا كانت الذرّةِ كالبناية ذات الطوابق الأربعة عشرَفإن النواة (الوحيدة كمادة فعلية في الذرّةِ) سَتَكُونُ مثل حبة الملحِ.
وقطعة الفولاذِ التي تشكل سيارتَنا أَو دعائم أبنيتنا هي في الحقيقة تتشكل من 99.999999 بالمائة من الفراغُ مع كمية صغيرة من الطاقةِ.
وهذه أيضاً حقيقة أجسامنا الطبيعية.
فعضلاتنا وأعضائنا تُتكوّنانِ من هذه الذرّات الفارغة نفسهاِ .
وأنت وأنا فقط عبارة عن فراغات تشكلت بحقول من الطاقةِ المُخْتَلِفةِ لتتَدفِّق من خلالنا.
هناك أشياء بمستوى أغرب للإعتِقاد تأتي مِنْ الفيزياء الحديثة .
ففي دِراسَة للمادة التي تتُكوّنُ النجوم الكبيرة منها إكتشفَ علماءَ الكونَ بأنّ نوعَ من النجومِ دَعي بالقزمُ الأبيضُ يَزنُ حجم الكشتبان من مادته حوالي عشَر أطنانِ وسَيُتطلّبُ لرافعة كبيرة لرَفْع شيءِ منه بحجمَ كشتبانِ الخياطة والذي إذا سَقطِ يَتكفل بسْحق بناية .
هناك أيضاً نجوم تَنهارُ على أنفسها لتخَلْق مادّة بكثافةِ غير قابلة للتصديقِ.
السنتيمتر المكعب الواحد يَزنُ 10,000,000 (عشَر مليون) من الأطنان
فإذا كانت المادة يُمكنُ أَنْ تضَغط لكي يصبح ال سم المكعّب يُمْكِنُ أَنْ يَزنَ 10 مليون طنَ ، فإن المادة التي نتكون منها يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فارغة حقاً .
يَبْدو أن إحساسُنا بالوجودِ الماديِ هو مسألة أساسها الفهم وربما لذلك السببِ نَسْمعُ عن شخص متقدّمِ روحياً يَكُون قادراً على جَعْل نفسه يضيء بشكل لا يصدق، ويشفي ويزيل أو يوقف نمو أمراض سرطانية من أجسام الآخرين عقولنا لا تَستطيعُ البَدْء بفَهْم هذا الكونِ الطبيعيِ فكَيْفَ نرفض ونُرعبُ حتى من الوجودَ الروحي في الكون بسبب أننا ببساطة لم ندركه أو لم ندرسه ؟ هَلْ سَبَقَ أنْ نَظرتَ إلى النجم القطبي في الليل؟ وأدركتَ أن الضوء الذي تراه عمره 680 سنةً ؟
نعم هذا ما يَأْخذُه هذا الضوءِ من وقت للوُصُول لعيونِكَ مِنْ ذلك النجمِ فأنت تَنْظرُ للوراء 680 سنةُ أي إلى العصور الوسطى فأين هو الوقت؟ هَلْ كان يُمكنُ أنْ يَختفي ونحن لا نَعْرفَه ل680 سنةِ أخرى.
كل ثانية يَتوسّعُ الكون فيها بحجم مجرة كبيرة ، بحجم درب التبّانة
هناك 31,536,000 ثانيةِ في السنة فإذا كنت ستحيا 80 سنةِ من العمر ، فإن الكونِ سيتَوسّعَ بحجمِ 2,522,880,000 قياساً بمجرةِ دربِ التبّانة خلال وقتِ حياتِكَ.
كل المسألة هي تُكثّيفُ الطاقةَ الكثير من الطاقة المَضْغُوطةُ تخلقْ مادة بحجم صَغير
طاقة القنبلة الذرّيةِ التي قَتلتْ 140,000 شخص في هيروشيما أُنتجتْ بتدوير كتلةِ تعادل قطعةِ البنسِ الواحدةِ إلى الطاقةِ.
إنه حقاً أبعد من قدرتِنا على فَهْم أقل جزء من الذرّةِ. البوصة المكعّبة للهواءِ (16.38 سنتيمتر مكعّب) أَو إذا كعبت حجم إصبع إبهامك فإنه يحتوي على
300,000,000,000,000,000,000 (300 بليون بليون) من جزيئات الهواء، كُلّها تتحرك بسرعة 1000 ميل في السّاعة وتضْربُ بعضها البعض 5 بليون مرة في الثانية .
كُلّ هذا يَحْدثُ أمام أنفِنا (وفي رئتينِنا ومعدتِنا) ونحن غافلون تماماً عن كل هذا وعاجزون عن إدْراك هذا الكون الطبيعيِ البسيطِ ، فكَيْفَ نَرْفضُ إمكانيةَ احتمال الحقيقة الروحية التي هي غير ملحوظة ولانهائية أكثر بكثير؟
لنلقي نظرة لأجسامِنا.
ال دي إن أي
الذي يَحْملُ الشيفرة الوراثية مُلتَفُّ كاللولبِ في كُلّ خلية.
إذا أَخذنَا كروموسومات ال دي إن أي من إحدى خلايانا ووَضعتْاهم بخط مستقيم ، سَيَكُونَ طول كل خط 6 أقدامَ أَو مترين لكُلّ خلية.
وحيث أن كل جسم يتشكل من 60 تريليون خليةُ ، فهذا يعْني بأنّ هناك عِدّة بلايين من الأميال من الدي إن أي في جسم كل مِنا .
هذه الحقائقِ تجَفْل العقلِ
إنها أهم دليلَ على وجودِ الذكاء الكوني الذي يسببُ ويُحفّزُ قوَّةَ هذا الكونِ الذي فيه نَعِيشُ.
العِلْمِ لَمْ يُوضّحْ لِماذا َيحْدثُ أيّ شئَ وأكثر ما تَعلّمناه كان حول إختلاف ظواهر الكونِ ،
الفلسفة الكونية لَها ستّة مبادئِ بسيطةِ وأساسية وهي تتماشى تقريباً مع كُلّ الأنظمة والأديان والفلسفات ، والعِلْوم، والأشكال الفنية المُخْتَلِفة حتى كمحاولات للفَهْم والإتِّصال بالحقائقِ الأساسيةِ ، والمبادئِ الأساسيةِ لهذه الفلسفةِ :
1. هناك علة وسبب أساسي واحد إنبثق عنه كُلّ شيءِ في الوجود
2. هذا السبب والعلة هو الذكاء الكوني الكلي الوجودُ والكلي العلم.
3. هذا الوعي والذكاء الكوني مقيمُ في كُلّ الوجود.
4. غرضَ الحياةِ البشرية هو إعادة الربط مع الطبيعة الكونية .
5. الروحَ الإنسانيةَ خالدةُ ولا تموت بموت الجسد .
6. الطريق الأكثر فاعلية لإنْجاز هدفِ الحياة هو من خلال المحبِّة الكونية الغير مشروطِة ِ.









المبحث الثاني علاقة الإنسان بالكون
نحن لا نستطيع أن نعطي هذه المسألة عنواناً شمولياً، فهناك الكثير من المواقع التي نلاحظ فيها أن الإنسان لا يزال يعيش مع ربه، من خلال الإيمان أو التطلع إلى الأمل الكبير الذي قد يتحسّسه بفطرته في شكل غامض. كما أن علاقة الإنسان بالكون هي علاقة متحركة وجدلية، باعتبار أن الفرد يكتشف في كل يوم شيئاً جديداً يدفعه إلى التساؤل أو إلى البحث وملاحقة الاحتمالات والإمكانات، وهذا الذي يفسّر التقدّم العلمي الذي يلهث العلماء في دائرته نحو المجهول الذي يحاولون أن يحوِّلوه إلى معلوم.
فالإنسان لم يفقد اهتمامه بالكون أو بالله، لكن الواضح أن الإنسان استغرق في مشاكله العديدة، ولا سيما المعيشية منها والأمنية والسياسية، التي جعلته يعيش في دائرة مفصولة عن العالم وعن إيمانه الذي يختزله في داخل نفسه، فهو بات يعيش مفردات هذه المشاكل في تفاصيل حياته اليومية.
لكن يبدو لنا أنّ الإيمان اتخذ شكلاً جديداً اليوم، خصوصاً أننا نعيش في زمن مادي استهلاكي، فكيف يستطيع الإنسان في هذه الحالة أن يشعر بإيمانه
أن هذا الاستغراق في المادة يجعل الإنسان يعود إلى ما قد نسمّيه الروح، لأن المادة مهما قدّمت نفسها للإنسان في شهواته وغرائزه وتطلعاته، فإنها تنتهي به إلى الجدار المسدود، لأنه كلما استغرق في المادة كلما فقدت من حيويتها في نفسها، فالإنسان يتطلع عادةً إلى نداء الغريزة في الجنس أو في الطعام أو في الشراب، فتستهويه حالة معينة إذا ارتوى منها شعر بتفاهتها أو بأنها تمثّل حالة روتينية لا تجتذب تطلعاته.
حتى بتنا نجد أن الإنسان لا يشعر بوجود امتلاء في نفسه خلال ممارسته للمادة، لأنه يظل يحس بالروح، ولعلنا نلاحظ أن الإنسان الذي يتطلع إلى المادة يحاول أن يعطيها شيئاً من الخيال أو من الأجواء والمناخات التي تحيط به، فهو مثلاً يحب أن يأكل في جو من الموسيقى ومن الجمال الطبيعي، كما يحب أن يمارس الجنس في أجواء من المشاعر والأحاسيس والعواطف التي تخرج عن العملية الميكانيكية التي تتمثل بلقاء الجسد بالجسد. كل هذا يعني شيئاً من الروح، لأن الإنسان لا يشعر بمعنى المادة في داخل نفسه إلا من خلال الروح.
كما نلاحظ أن الإنسان عندما تضيق به الأوضاع يشعر بالحاجة إلى الروح أكثر، حتى إذا لاحظنا وتابعنا ما يحصل في الغرب، ولا سيما في أمريكا التي تعيش المادة بكل ماديتها وجدرانيتها، فإننا نجد أن هناك الكثيرين ممن يأتون إليها قادمين من بلاد الشرق أو من آسيا والهند، ويثيرون بعض الصرعات الروحية، فإن حركاتهم تلقى اهتماماً واستقطاباً بشكل عام.
وقد يؤسس هؤلاء بين وقت وآخر مدينة تضم الأشخاص الذين يتبعونهم، وعندما ندرس حالة الذين يعيشون في جو روحي ضبابي قد يكون خرافياً، نسأل أنفسنا لماذا ينطلق هؤلاء في هذا الاتجاه؟ إنني أتصور أن فقدان الغرب للكثير من الروح جعله يعيش في حالة من الضياع، وفي جو يدخله إلى زنزانة مادية، لذلك نجد أن الإنسان بدأ يعود إلى آفاق الروح. ونحن نلاحظ أن هناك صحوة إسلامية ومسيحية بدأت بالظهور، وإلا كيف نفسّر زيارات البابا إلى مختلف البلدان في العالم حتى تلك التي تجذّرت فيها العلمانية.
مادة تتروّح وروح تنطلق عبر المادة
* ألا تعتقدون أن الجسم الديني تأثر نوعاً ما بالمناخ العام؟
ـ نحن نتصور أن الإنسان يبقى إنساناً، لأنه ليس روحاً فقط، وإنما هو مزيج من المادة والروح معاً. فنحن نقول إن الإنسان يمثّل قبضة من الطين ونفخة من روح الله، كما أن الدين لا يبرر انفصال الإنسان عن المادة، لأنه ليس حالة روحية تجريدية، بل هو يمثل المنهج الذي يجمع بين المادة والروح، فالإنسان يمارس حياته المادية في ظل الأخلاقية الدينية طالما أن الدين لا يدعو إلى أن يهمل الفرد دنياه وغرائزه.
* إذاً، كيف تشرحون التناقض الكبير بين إمكانية الاتصال بالعالم بثوان بفعل التطور التكنولوجي الكبير، والابتعاد عن الجار وشريك العمر؟
ـ إن المشكلة هي أن المفاهيم المادية عندما استغرقها كثير من الناس أبعدتهم، ليس عن الروح فقط، وإنما عن المعنى الإنساني المادي، لأن لقاء الإنسان بجاره أو بشريك عمره هو أن يشعر بهذا الشريك في داخله وروحه وتطلعاته، فالإنسان ليس روحاً محلقة في الفراغ، بل هو عبارة عن مادة تتروّح وروح تنطلق عبر المادة. ولكن يحدث أحياناً أن تطغى المادة على الروح كما يطغى شيء مادي على آخر، فهناك أناس يهتمون بالطعام أو بالشراب أكثر مما يكترثون للجنس.








المبحث الثاني القيمة في حياة الإنسان
ـ إن قضية القيمة تعني أن ننقذ إنسانية الإنسان وأن نبرزها، وهذا يحتاج إلى مناخ جيد وتربية ملائمة، لأنه عندما تكف التربية عن تأصيل القيمة في الإنسان، فلا يعود يشعر أنها تمثّل معنى إنسانيته ورحابة وجوده، يصبح من الطبيعي أن تجفّ ينابيع القيمة في نفسه.
لكننا اليوم نحقق هويتنا ضمن مجموعة، بحيث بتنا نعامل كعدد أو كصورة وفقدنا ذاتيتنا الخاصة
ـ هذا الشعور مردّه إلى أننا كنا دائماً نحدّق بالخارج ولا ننظر إلى الداخل. فنحن نحرّك اهتماماتنا لما هو خارج ذاتنا، ونهتم بعدد الأموال التي نملك وبعدد الأشخاص الذين يصفقون لنا. لذلك نجد أن الإنسان يملك ثقافة واسعة في ما هو خارج ذاته، ولكن لا يملك الثقافة المماثلة في داخل ذاته، هذا يعني أنه ابتعد عن أن يحدّق إلى نفسه أو أن يفرح ويعيش ذاته في الداخل.
فاقد الشيء لا يعطيه
فأن الحلول التي تقدمها الدولة تأتي فارغة من الطابع الإنساني
و إن فاقد الشيء لا يعطيه، فالذين يسيطرون على الدولة لا يعيشون معنى القيمة في أنفسهم، لذلك لا يدركون قيمة الآخر. لكن المسألة لا تقتصر على الدولة فقط، وإنما تشمل المناخ العام الذي ابتعد عن آفاق الروح وعن إثارة الجانب الروحي في علاقة الإنسان بالآخر، وهذا ما نلاحظه عندما تثار قضية الطائفية في العلاقات الإنسانية ولا تثار قضية الدين مثلاً أو القيم الدينية والروحية.
حتى الذين يعتبرون أن الله محبة وأن على الإنسان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، يغرقون في المسائل الطائفية التي تزرع الحقد بدل المحبة، فهم حوّلوا الجانب الديني إلى جانب مادي عشائري يتحدث فيه عن الشخص بدل القيمة.
لذلك، أنا أتصوّر أن علماء الدين، سواء المسيحيين أو المسلمين، قد ابتعدوا عن رحابة القيمة في نظرتهم إلى الآخر، وبدأوا يطيّفون الدين ويحوِّلونه من القيمة المنفتحة إلى الدائرة التي تحبس الآخر في زنزانةٍ من الحقد والعداوة.
و المشكلة هي في فقدان المناخ الهادىء الذي يدفع إلى التفكير بعقلانية وموضوعية وهدوء. فهناك نوع من الحالة الانفعالية التي لا تكف عن توليد عناصر الإثارة المتلاحقة وتبعد الإنسان عن التفكير في الواقع. لذلك، إن هذا التطرف يبعدنا عن التوازن، فنبدأ بالبحث عما يشبع توترنا الداخلي. ومن الطبيعي أن الاعتدال لا يشبع هذا التوتر والانفعال. من هنا، يجد الإنسان في التطرف، سواء كان تطرفاً نحو اليمين أو اليسار أو الأصولية أو الانفلات التام، أنه يريح بذلك حالة التوتر التي ترتقي باللاعقل.
ـ ما تعرّض له المطران وما يتعرض له الكثيرون من علماء الدين أو المثقفين ينطلق من خلال التعصب الذي يجعل الإنسان لا يعترف بالآخر فيشعر بضرورة إلغائه.
ومن البديهي أن هذا الأمر لا يؤدي إلى نتيجة ما يفكر به المتعصب، فهو يوحي لنفسه أنه مخلص لفكره ولآرائه، ولا يلتفت إلى أن إخلاصه هذا يجعل الآخرين يبتعدون عنه، لأن موقفه يسيء إلى إنسانيتهم.
لذلك، نحن نفرّق بين التعصب والالتزام، فمن حق الإنسان أن يلتزم بفكره مئة في المئة، لكن عليه أن يحترم التزام الآخر، وأن يدخل في حوار معه ليصل إلى الحقيقة الضائعة.
أن تعاطي "الكبار" مع هذا الحادث لم يكن ناضجاً
ـ قد يكون كذلك، لأن المسألة هي أن الكبار لم يكونوا كباراً في رحابة القيمة، بل كانوا كباراً في قوة الموقع فقط.




المبحث الثالث أسباب الحروب
في الحرب يصل التوتر إلى حالة لا يجد فيها الإنسان أي حل لما يعيشه سوى بالقتل وبإلغاء الآخر، لذلك قد تكون الحروب هي نوعٌ من التنفيس، وقد تكون أيضاً حلاً لمشكلة الإنسان الذي يدافع عن نفسه.
إن مسألة أن يصبح الإنسان عالمياً أو مناطقياً.. أو عرقياً أو قومياً.. هي مسألة ثقافية يعيش فيها الإنسان إنسانيته من خلال الآخر، وهذا قد لا يتحقق، لأن الإقليميات تجعل الإنسان يخلص ويتعصب لقومية معينة أو وطن معين أو طائفة، حتى أن العولمة التي طرحت مؤخراً تنطلق من خصوصية الجهة التي تستفيد منها، لأنها عولمة الشركات الاحتكارية التي تريد أن تسقط كل الحواجز التي تعيق الامتداد إلى حياة الشعوب بهدف الربح والكسب، ولو كان ذلك على حساب الشركات الصغيرة.
لذلك، نحن نعتقد أن مفردات الحضارة المادية تجعل الإنسان يفقد الجانب الروحي القيمي، خصوصاً عندما يتحوّل الفرد إلى كائن اقتصادي بدلاً من أن يكون كائناً روحياً إنسانياً، فكلما أخلد والتصق بالأرض كلما بات يتحرك من خلال التراب وليس من خلال الهواء، فالمشكلة هي أن الناس أخلدوا إلى الأرض، ونحن نعرف أن هناك جدلية بين الأرض والسماء، لأن الأرض تستوحي النور من السماء، من الفضاء الرحب والهواء الطلق المتحرك، والسماء تطل على الأرض لتعطيها المطر والنور.. لكن بعض الناس لا يتطلعون إلى فوق، فتختلُّ المعادلة الإنسانية التي هي عبارة عن حوار الأرض مع السماء أي المادة مع الروح.
ـ الصلاة ليست التناغم بين الإنسان وتطلعاته وغرائزه، إنما هي الحوار الروحي المفتوح بين الله والإنسان، بحيث يعيش الله في عقل الإنسان، فيتوازن عقله بالحق، ويعيش الله في قلبه فينبض بالمحبة، لذلك نقرأ في القرآن الكريم ما يأتي: {وأقيم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
فكلما انفتح الإنسان على الصلاة أكثر وتحوّل إلى روح تحلّق لتلتقي بالله، كلما عاش القيمة في حياته أكثر، وبذلك ينفتح على الآخر، فهذا الكلام يتجاوز معنى الصلاة في عمقها الروحي، ويجعل منها حالة قائمة في المادة.
أما الطقوس الدينية، فهي قد تتحوّل إلى تقاليد وعادات وحالة روتينية تفقد معناها في نفس الإنسان، بحيث تصبح شبيهة بأشياء جامدة لا معنى لها، ولكن عندما يعطي الإنسان هذه الطقوس عنصراً من روحه وشعوره وإحساسه، فإنها تنبض بالحياة وتمنح الفرد روحاً وقيمة.
من جهة ثانية، على الإنسان أن يدرس موقعه من الله في كل لحظة يشعر فيها أنه ابتعد عن ربه، عليه أن يتعرف دائماً إلى عظمة الله في الوجود، لكي يستطيع أن يجد الله في كل شيء يراه، باعتبار أن الوجود هو مظهر لقدرة الله ورحمته، لذلك على الإنسان أن يخرج من هذا الجمود في التصاقه بالجدار المنتصب أمامه، وأن يحاول أن يحلّق ليكتشف الله.
ولكي ندرك إنسانيتنا، علينا أن نضحي من أجل القيمة في حياتنا، فالإنسانية تتجلى في التضحية من أجل الإنسان، وفي الشهادة من أجل قضية محقة، وفي إنكار الذات من أجل الآخر.
و الوقت يمثّل عمرنا، فهو ليس شيئاً مفصولاً عنا، نحن نملأ الوقت ونفرغه، فعندما نحرك الوقت في الفراغ نجعل منه شيئاً ضائعاً أبله، وعندما نملأه بالفكر والجهد نجعل منه كائناً حياً نراقبه ويراقبنا.
أما المكان، فهو المساحة التي نتحرك فيها، لكننا نحن الذين نؤنسن المكان عندما نعطيه شيئاً من إنسانيتنا، فعندما نزرع الأرض فإننا نضفي عليها جهدنا وإنتاجنا وطاقاتنا التي تجعل البذرة تنمو في مناخ ملائم، فهناك تزاوج بين الإنسان والأرض.
و عندما نحوّل أحلامنا إلى واقع، وعندما نشعر بمسؤولية أحلامنا، فالإنسان الذي يجعل أحلامه خيالاً سيظل يعيش في متاهات الخيال. أما الإنسان الذي يسعى إلى أن تصبح أحلامه مشروعاً واقعياً، تنزل حينها الأحلام إلى أرض الواقع لتزرعها في جنة من الأحلام.
لذلك، علينا أن نصعد دائماً إلى فوق، إلى القيمة. قد يكون هذا صعباً، لكنه ليس مستحيلاً، لأننا نجد الكثيرين ممن ارتفعوا إلى مستوى القيم وكبروا عن أن يصغّرهم البعض الذين يحسبون أنفسهم كباراً وهم ليسوا كباراً












الخاتمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مرحبا بالزوار الجدد

الجديد هيلاقي اسمه اول اسم فى القايمه بلون اخضر يضغط عليه كليك ويغيره ويكتب اسم مستعار وكمان يقدر يغير الصورة

اعـــــــز اصحـــــــــاب

شااااااااااااااهد جميع المباريات على قناة الجزيرة

اجمل صور

اجمل صور
شاهد ارق الصور